اليمن: نطالب بإجراءات عاجلة لحماية منظمات المجتمع المدني في عدن

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

يطالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المجلس الانتقالي الجنوبي، سلطة الأمر الواقع في جنوب اليمن، بسرعة رفع القيود القمعية المفروضة على منظمات المجتمع المدني؛ التي تسعى للتأسيس أو مباشرة عملها في عدن. وذلك بعدما أضحت عدن ملاذ المنظمات التي غادرت خوفًا من قمع وهجمات جماعة أنصار الله (الحوثيين) المتصاعدة بحق المجتمع المدني في الشمال. ومن ثم، ينبغي على المجلس الانتقالي الجنوبي دعم حرية تكوين الجمعيات وحماية الفضاء المدني.

يفرض المجلس الانتقالي الجنوبي قيودًا شديدة على منظمات المجتمع المدني في عدن، مما يجبر بعضها على تقليص الأنشطة أو تعليق البرامج، وأحيانًا وقف نشاط المنظمة تمامًا. كما تعاني العديد من المنظمات من صعوبة إجراءات التسجيل والحصول على تراخيص العمل. هذا بالإضافة لما تواجهه المنظمات المسجلة بالفعل من صعوبات في تجديد تراخيص عملها سنويًا، أو فرض الحظر على بعض أنشطتها.

تقول آمنة القلالي، مديرة البحوث في مركز القاهرة: «أن القيود التعسفية التي يفرضها المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن تقوض الدور الحاسم للمجتمع المدني في اليمن، بما في ذلك المنظمات الفاعلة في المجالات الإنسانية والتنموية وحماية حقوق الإنسان، وجميعها مجالات أساسية تشتد حاجة اليمنيين إليها».

في مايو ويونيو 2024، اعتقلت جماعة الحوثيين، سلطة الأمر الواقع في العاصمة صنعاء ومدن أخرى، 72 موظفًا على الأقل في منظمات دولية وهيئات أممية، من منازلهم ومكاتبهم في صنعاء والحديدة ومدن أخرى. ونتيجة لذلك، انتقل عشرات المدافعين والموظفين ومديري المنظمات من شمال اليمن لجنوبه بحثًا عن الأمان.

وبحسب مقابلات أجراها مركز القاهرة مع قيادات من 11 منظمة، بعضها مسجلة ومُرخصة في عدن، وبعضها اضطرت لنقل مقراتها من الشمال مؤخرًا بسبب حملة القمع واسعة النطاق التي شنها الحوثيون على منظمات المجتمع المدني، أشار اثنان من مديري هذه المنظمات، إلى ظروف عمل أفضل في عدن مقارنة بالشمال، بينما سلط ممثلو 9 منظمات الضوء على تحديات كبيرة تعطل عمل منظماتهم في عدن، بل وأدت إلى إغلاق بعضها.

ولأسباب أمنية، تم حجب أسماء أصحاب المقابلات، وأسماء منظماتهم.

  • مشقة التسجيل وتجديد تصاريح العمل

في عام 2001، دخل القانون رقم (1) الخاص بتنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات حيز النفاذ، كبديل عن نظيره السابق الصادر قبل توحيد اليمن عام 1990. هذا القانون يٌلزم المنظمات بتقديم طلبات التسجيل إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية، التي بدورها تُصدر إشعار يفيد باستلام طلب وأوراق التسجيل. ويعتبر القانون أن عدم رد الوزارة على طلب التسجيل لمدة تزيد عن شهر، يُعتبر بمثابة موافقة ضمنية على التسجيل. بينما في حالة الرفض، تُلزم المادة (10) الوزارة بإخطار المتقدمين بإشعار مكتوب. لكن القانون لا يحدد صراحةً أسباب الرفض، ويمنح الوزارة سلطة تقديرية مفتوحة في هذا الصدد. بينما تسمح المادة (11) للمنظمات بالطعن على قرار الرفض أمام المحكمة المختصة خلال 60 يومًا من استلام إخطار الرفض من الوزارة.

لكن من الناحية العملية، لا تمتثل السلطات في عدن لهذا القانون. فوفقًا لمقابلات مركز القاهرة، لم تتمكن 6 منظمات من تقديم طلب التسجيل، وتم رفض استلام طلب التسجيل شفهيًا. هذا الرفض الشفهي حال دون متابعة الإجراءات القانونية ضد الوزارة والطعن على قرارها، طالما لا يوجد إشعار رسمي يفيد بالرفض يمكن الطعن عليه طبقا للمادة (11).

كما وثق مركز القاهرة 4 حالات رفض فيها الوزارة إصدار تصاريح لمنظمات لمجرد أن مؤسسيها من الشمال. وبحسب أحد هؤلاء المؤسسين قال في مقابلته مع مركز القاهرة: «رفضت وزارة العمل والشئون الاجتماعية استلام طلبنا بالتسجيل عام 2021، بحجة أنني من شمال البلاد. وعندما تقدمنا بطلب جديد عام 2024، تلقينا الرد نفسه». وحتى الآن، لم تتمكن هذه المنظمة من التسجيل على مدى ثلاث سنوات، وبالتالي تعطل عملها، فضلاً عن أن المنظمة لم تتمكن من اتباع الإجراءات القانونية ضد قرار الرفض، إذ أنها لم تتلق إخطارًا كتابيًا بذلك. ويتابع: «كلفنا تقديم الطلب كثير من المال والجهد، ولا يمكننا حتى تحمل تكلفة محامي لتقديم شكوى». وبالمثل تروي مدافعة حقوقية أخرى تحاول منذ عامين تسجيل وفتح مكتب لمنظمتها في عدن: «قال لي المسئول الحكومي: أنتِ من الشمال؛ اذهبي للعمل هناك».

في مايو ويونيو من العام الجاري، اعتقل الحوثيون عشرات العاملين في المجتمع المدني وموظفي مكاتب هيئات الأمم المتحدة، مما أجبر الكثيرين على غلق مكاتبهم في مناطق سيطرة الحوثيين والانتقال لعدن بحثًا عن بيئة عمل أكثر أمانًا. هؤلاء ومنظماتهم يعانون عقبات بيروقراطية مشددة، ليس فقط بسبب عملهم، لكن بسبب أصولهم. وهو ما أشار إليه أحد المدافعين الذين غادروا صنعاء قائلاً: «أصبح الخيار إما العمل في الشمال والمخاطرة بالاعتقال مثل آخرين، أو البقاء في الجنوب والتوقف عن العمل تمامًا».

المنظمات المسجلة في عدن تواجه أيضًا عقبات عند تجديد تصاريح عملها. فبحسب مقابلات مركز القاهرة، اشتكت 5 منظمات صعوبات التجديد السنوي لتصاريح العمل، رغم أن القانون لا يتضمن أي مادة تلزم المنظمات بتقديم طلب بتجديد التصريح سنويًا، إلا أن قرارات وزارة العمل والشئون الاجتماعية تفرض ذلك، وفقًا للخطوات المشار لها على الموقع الرسمي للوزارة. ورغم امتثال المنظمات لهذه الإجراءات؛ فشلت ثلاثة منها في التجديد واضطرت لتعليق عملها في عدن. ووفقًا لخمس منظمات، وحسب موقع الوزارة الإلكتروني، يتطلب تجديد تصريح العمل قائمة طويلة من الوثائق، وبناءً عليه يتم تجديد بطاقة الهوية الخاصة بكل منظمة، والتي تعد شرط بالغ الأهمية لمزاولة النشاط، إذ يطلبها بعض الملاك لتجديد عقود الإيجار، ويحتاجها البنك المركزي في عدن كشرط لإبقاء الحسابات مفتوحة، كما يطلب بعض المانحين نسخة منها. ويضيف مدير إحدى المنظمات المسجلة والمصرح بعملها في عدن منذ عام 2018، أن «الحصول على تصريح في الماضي لا يضمن سهولة التجديد. إذ تم رفض طلبات التجديد الخاصة بنا منذ عام 2022». ونتيجة لذلك، اضطرت المنظمة إلى غلق مكتبها ونقل الموظفين خارج عدن.

رفض تجديد تصاريح العمل غالبًا ما يكون شفهي وغير رسمي، فبحسب المنظمات التي تواصل معها مركز القاهرة، يتم الرفض شفهيًا دون أي قرارات مكتوبة، ومن ثم يصعب اتباع الإجراءات القانونية. لقد أصبحت عملية تجديد التصاريح أداة تعسفية يستخدمها المجلس الانتقالي الجنوبي لقمع المنظمات التي يعارض عملها.

  • كل نشاط يتطلب موافقة

في مطلع العام السابق، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي عدة قرارات بيروقراطية تعرقل عمل المنظمات في عدن، بما في ذلك إلزام كل منظمة بتقديم طلب للموافقة على كل نشاط مُخطط له. هذه القرارات لم يتم إبلاغ المنظمات بها رسميًا، بل علمت بها إحدى المنظمات صدفةً أثناء تجديد تصاريحها السنوية، وأبلغت بها المنظمات الأخرى. ومن ثم، فحتى المنظمات المسجلة أضحت مهددة بسلطة المجلس الانتقالي الجنوبي وما يفرضه من قيود على المجتمع المدني، إذ لا يزال بإمكانه استحداث طرق لوقف الأنشطة التي لا يوافق عليها.

فبحسب الموقع الإلكتروني للوزارة؛ «على المنظمات طلب الموافقة على أي مشروع أو نشاط تموله الوكالات أو الأشخاص أو المنظمات الأجنبية». هذا بالإضافة إلى غموض متطلبات هذه الموافقة، حسبما أشارت 5 منظمات في مقابلات مع مركز القاهرة، إذ تطلب الوزارة مع كل نشاط؛ فحص وثائق المشروع. وبناء عليه، يحق للوزارة طلب أي وثيقة للفحص، بما في ذلك أي وثائق قد تعرض أمن الموظفين أو المشاركين للخطر.

وفي هذا السياق، تشير منظمة تعمل في مجال التنمية في عدن لواقعة خلال العام الماضي، إذ كانت بصدد الحصول على موافقة لعقد اجتماع مشترك مع منظمات أخرى، مما تطلب تقديم تقرير مفصل عن الاجتماع للوزارة، بما في ذلك الموقع والتوقيت ومصدر التمويل وقائمة المشاركين وبطاقات هوياتهم، وحتى هويات مصوري الاجتماع، على نحو يمثل انتهاكًا صارخًا للخصوصية الفردية ويعرض أمن المشاركين للخطر. كما ذكرت إحدى كبار الموظفات من منظمة أخرى واقعة مشابهة؛ إذ اشترطت الوزارة للموافقة على عقد منظمتها اجتماع في عدن تغيير صيغة عنوان الاجتماع كشرط للموافقة. هذا التدخل الصارخ في عمل منظمات المجتمع المدني يقوض استقلاليتها ويجبرها على التوافق مع أجندات السلطات وسياساتها.

  • المعايير الدولية

الحق في حرية تكوين الجمعيات، والشروط التي يجوز بموجبها تقييده، محدد في المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي صدقت عليه اليمن عام 1987، وجاء فيه؛

1- لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق تشكيل النقابات والانضمام إليها لحماية مصالحه.

2- لا يجوز فرض القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون، ضمن تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي، أو السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم.

وبناء عليه، فالقانون الدولي حدد متطلبات واضحة وضرورية لتبرير القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات. إذ يجب أن تكون القيود المفروضة «ضرورية في مجتمع ديمقراطي»، أي أنها تلبي حاجة عامة ملحة مع الالتزام بالقيم الديمقراطية الأساسية مثل التعددية والتسامح. فعلى سبيل المثال، يجب ألا تكون المتطلبات الإجرائية المتعلقة بتسجيل الجمعيات مرهقة بشكل مفرط، وتصل حد التقييد الفعلي للحق في حرية تكوين الجمعيات. وقد أشار المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، في تقريره عام 2012 المقدم لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة؛ أنه في حين تختلف إجراءات تأسيس الجمعية ككيان قانوني من بلد لآخر، فمن الضروري أن يتصرف المسئولون الحكوميون بحسن نية ودون تحيز ودون تأخير. كما شدد المقرر الخاص على أن آلية «الإخطار» في تأسيس الجمعيات، تتماشى مع القانون الدولي لحقوق الإنسان، مقارنة بآلية «الإذن المسبق/الترخيص». إذ تسمح عملية الإخطار باكتساب الجمعيات الشخصية القانونية تلقائيًا بمجرد إخطار السلطات بالتأسيس. وفي العديد من البلدان، يتضمن هذا الإخطار تقديم ملف يضم معلومات محددة وواضحة، لكنه ليس شرطًا أساسيًا لتأسيس الجمعية، بل هو وسيلة لتسجيل التأسيس رسميًا.

  • توصيات للمجلس الانتقالي الجنوبي
  1. توجيه الوزارات المعنية على الفور لتسليم إيصالات مكتوبة باستلام ملفات التسجيل، بمجرد تقديم الجمعية وثائق التأسيس أو أي وثائق أخرى مطلوبة قانونًا.
  2. الامتناع عن رفض تسجيل الجمعيات، ما لم تتضمن الوثائق التأسيسية للجمعية خطاب الكراهية أو اللغة التمييزية أو التحريض على العنف.
  3. الالتزام بالقانون وتعليق القرار الإداري بتجديد المنظمات تصاريح عملها سنويًا، والاعتراف بجميع المنظمات المسجلة باعتبارها تعمل بشكل قانوني في عدن وأي منطقة أخرى يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي.
  4. التأكد من أن السلطات الإدارية لا تقوض ممارسة الحق في حرية تكوين الجمعيات، وإلغاء جميع القرارات والتوجيهات المحلية التي تتعارض مع أنشطة الجمعيات.

Share this Post