بمناسبة لقاءه بالرئيس السيسي: فرصة وواجب الأمير تشارلز

In مقالات رأي by CIHRS

نيل هيكس
مدير برنامج المناصرة بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان .

على مدى عقود، كان الأمير تشارلز مدركًا لأهمية الحفاظ على البيئة، ومدافعًا صريحًا عن هذا الهدف. وقريبًا ستتاح له فرصة مناصرة إحدى قضاياه المفضلة، أثناء لقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في وقت لاحق من هذا الشهر، على هامش زيارته للشرق الأوسط، في 16 نوفمبر، والمقرر أن تبدأ من الأردن.

تكتسب هذه الزيارة أهمية استثنائية، نظرًا لاستضافة مصر مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في العام المقبل، ما يعد خيارًا مثيرًا للجدل؛ إذ أن استضافة فعالية دولية متعددة الأطراف يستوجب، ويشترط، وفاء الحكومات بتعهداتها المرتبطة بطبيعة هذه الفعالية. بمعنى أخر، تتطلب مثل تلك الفعالية نوعًا من الشفافية العامة وآليات مساءلة، وهو ما تفتقر إليه «مصر السيسي» بشكل صارخ. فمن المعلوم، أنه لا يمكن الوثوق بالحكومات منفردة لتحقيق الأهداف البيئية؛ وإنما يجب أن تخضع ممارسات الحكومات لمتابعة ومراقبة الإعلام الحر ومنظمات المجتمع المدني المستقلة. وهو الأمر الذي أشار إليه الأمير تشارلز في خطابه في غلاسكو، خلال الجلسة الـ 26 لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، قائلاً: «على مدار سنوات عديدة، أدركت أننا بحاجة لشراكة بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني قبل كل شيء لمعالجة هذه المشكلة».

للأسف، يسلك السيسي على النقيض نهجًا مختلفًا تمامًا في معالجة المشاكل؛ فعلى مدار السنوات التالية لاستيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري في 2013، كثف السيسي جهوده من أجل تركيز السلطة بين يديه، والقضاء على المؤسسات التي بإمكانها تقييم ممارساته ومحاسبته على أخطائه؛ سجن وقتل خصومه السياسيين، وأضاق الخناق على وسائل الإعلام والإعلاميين، سجن صحفيين وطرد مراسلين دوليين، فضلًا عن شن حملة قمع متواصلة بحق الحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني المستقلين، وهو ما دفع بعضهم للعيش في المنفى بالخارج، وزج بالعديد منهم داخل السجون المصرية في ظروف قاسية، رهن محاكمات وتهم  لا أساس لها من الصحة. وتصاعدت الانتهاكات بحق أطياف المعارضة السلمية والمدافعين عن حقوق الإنسان، لتصل حد تصنيفهم ووصمهم بكونهم «إرهابيين». وفي الوقت نفسه، يخوض المجتمع المدني المستقل صراعًا يائسًا للبقاء على قيد الحياة، في ظل قرارات حظر السفر ومصادرة الأصول وأوامر الإغلاق.

ومع تأكيدات استضافة مصر للجلسة الـ27 لقمة المناخ، اعتبرت منظمات حقوقية مصرية أنه «في ظل المشكلات المتعددة الموجودة في مصر، ومن بينها غياب سيادة القانون وانتشار الفساد وقيادة الجيش للاقتصاد، لن يستطيع الأشخاص الأكثر تضررًا من تداعيات تغير المناخ التعبير عن رأيهم في كيفية مواجهة هذه التحديات متزايدة الصعوبة»، مضيفين «ينبغي أن تكون البلدان المستضيفة للجلسة الـ27 لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ نماذج للالتزام بتوفير مناخ مناسب للدعم والمناصرة فيما يتعلق بتغير المناخ، وليست نماذج للاستبداد الوحشي».

إن الديكتاتورية الوحشية التي دمرت أليات مكافحة الفساد، وفرضت الصمت على المدافعين عن الحقوق البيئية في البلاد، التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على الهيدروكربونات، وتمتلك سجل محلي ضعيف في حماية البيئة، ليس بإمكانها استضافة الخطوة التالية للجهد الدولي الأساسي لمكافحة تهديد تغير المناخ.

ومن المؤكد أن الأمير تشارلز على دراية بكافة المعلومات السابقة، إذ له باع طويل في مسألة القضايا البيئية؛ ويعد واحدًا ممن أولوا حماية البيئة أهمية فائقة، قبل وقت طويل من إدراجها على قائمة الأولويات الدولية. وهو كذلك على دراية كاملة بمسئوليات الحكومات في الأوضاع المماثلة. وقد شدد الأمير مرارًا وتكرارًا، في خطابه في غلاسكو، على «الأهمية البالغة» لتعاون حكومات العالم لحماية البيئة.

في الوقت الحالي، يواجه الأمير تحديًا دبلوماسيًا دقيقًا للغاية؛ إذ أن السياسيين، بمن فيهم قادة الدول الديمقراطية التي تدعي دعم حقوق الإنسان، يجدون صعوبة في مواجهة الرئيس السيسي بأهوال سجله المروع في مجال حقوق الإنسان، رغم كون مستوى القمع والانتهاكات مشابه لدولة مثل إيران لا يكل القادة الغربيون من انتقادها. إلا أن الأمير تشارلز ليس سياسيًا، ولا يتحتم عليه الالتزام بقيودهم. وهو ليس زعيم دولة، رغم أنه قد يصبح يومًا ما. إن الملك البريطاني غير سياسي، ويفترض وقوفه في مستوى أعلى من النزاع؛ فالأمير تشارلز على حد تعبير موقعه الرسمي، يدافع عن القيم المشتركة، ويهدف «لتعزيز وحماية عما هو جيّد»، بالإضافة لـ«إثارة القضايا» ذات الاهتمام المشترك، مثل تغير المناخ.

ونظرًا للضرورة الملحة لمتابعة مدى التزام الحكومات بتعهداتها البيئية التي تقدمها خلال قمة المناخ، ينبغي على الأمير تشارلز حث الرئيس السيسي على جعل مصر قدوة للشفافية بصفتها الدولة المضيفة للجلسة الـ27 لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ.

يجب على مصر رفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام، والسماح بحرية عمل منظمات المجتمع المدني المستقلة. إذ لا يجب أن يعرقل الاستبداد، الحاجة الماسة للعالم لتنفيذ تدابير مكافحة تغير المناخ، والتي دافع عنها الأمير تشارلز مرارًا.

ينبغي على الأمير تشارلز، أثناء زيارته، مطالبة الرئيس السيسي بتغيير أساليبه، أو المخاطرة بالتضحية بقضية التعاون العالمي لحماية البيئة، التي كرس لها سنوات عديدة من حياته.


نشر هذا المقال على ميدل إيست مونيتور:  https://www.middleeastmonitor.com/20211114-prince-charles-opportunity-and-obligation-when-he-meets-president-al-sisi/

Share this Post