الدورة الثامنة لمجلس حقوق الإنسان: البيان الكتابي المقدم من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة by CIHRS

البند رقم 3 على جدول الأعمال: استقلال القضاء في العالم العربي

1. أساءت التشريعات والممارسات العربية التي تبنتها السلطات التنفيذية في معظم الدول العربية على نحو خطير إلى استقلال القضاء وإلى المعايير القضائية، كما ساهمت في تقويض فاعلية المنظومات القضائية القائمة بالفعل، الأمر الذي أوهن ثقة الجماهير في قدرة القضاء الوطني على إعمال العدالة والمساواة. وقد تفاقمت أزمة الثقة العامة جراء الاتجاه المتنامي للنظم العربية لتعيين هيئات قضائية غرضها الوحيد والأوحد هو إضفاء الشرعية على انتهاكات حقوق الإنسان ووضع العراقيل أمام التمتع بالحريات العامة ومنح الحصانة لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر جسامة.

2. أسفر الافتقار الشديد إلى الديمقراطية في الغالبية العظمى من البلدان العربية عن الانتقاص من قدر الاستقلال القضائي في المنطقة. فالضمانات الدستورية لاستقلال القضاء تخلو في معظم الأحيان من أي أثر فعال، حيث أن الدساتير العربية دائماً ما تنص على هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين البرلمانية والقضائية. وقد كان إعداد مشاريع القوانين ولا يزال حكراً على السلطة التنفيذية حتى في الدول البرلمانية. كما أن معظم تلك البرلمانات ما هي إلا مظهر لهيمنة الحزب الواحد أو الحزب الحاكم الأوحد. وتمكن تلك السيطرة السلطة التنفيذية من تمرير أي تشريع يُعتقَد أنه في صالح النظام الحاكم، بما في ذلك القوانين التي تنال من استقلال القضاء.

3. باستثناء الحالة المصرية، حيث شهد النظام القضائي استقلالاً نسبياً مقارنة بالبلدان العربية المختلفة، فإن السيطرة السياسية على السلطات القضائية في المنطقة العربية تخالف على نحو فج المعايير الدولية الخاصة باستقلال القضاء. ويعود ذلك على نحو كبير إلى الصلاحيات الكبرى التي يمتلكها وزراء العدل والهيئات الإدارية التابعة لوزارات العدل في تعيين القضاة وترقيتهم وتفويضهم ومراقبتهم ونقلهم. علاوة على ذلك، ليس لدى المنظومات القضائية في تلك البلدان ميزانيات مستقلة يمكنها التصرف فيها وإدارتها ويكفلها القانون، ولكنها في المقابل تعتمد في كافة أشكال التمويل على الحزب السياسي أو الأحزاب السياسية المسيطرة على الحكومة المركزية.

4. إن استثناء مصر لا يعني ضمناً أن القضاء المصري حقق استقلالاً كاملاً، فهناك أشكال عدة لتدخل السلطة التنفيذية في الشؤون القضائية وفي إقامة العدل. فرئيس الجمهورية وهو أيضاً رئيس السلطة التنفيذية بموجب الدستور، يترأس المجلس الأعلى للقضاء، كما يخوله الدستور سلطات مطلقة تسمح له بتعيين النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا ورئيس مجلس الدولة. بالإضافة إلى ذلك، يحق للرئيس إحالة قضايا إلى المحاكم العسكرية ترتبط بمواطنين أدينوا بتهم ينص عليها إما قانون العقوبات أو أي قانون آخر. حتى وإن كان في نية الحكومة إنهاء حالة الطوارئ، فإن التعديلات الدستورية الأخيرة التي تم إقرارها في إبريل/ نيسان من العام الماضي تكفل صون السلطات نفسها للرئيس تذرعاً بقانون مكافحة الإرهاب.

5. وفي مايو/ أيار 2005، أقر البرلمان المصري مشروع قانون حول المحاكم الاقتصادية كانت الحكومة قد تقدمت به، وذلك بدلاً من وضع حد لأشكال القضاء الاستثنائي المتعددة. وقد اعتبرت الجمعية العمومية لكل من نادي القضاة المصري ونادي قضاة مجلس الدولة على التوالي، اعتبرا أن مشروع القانون هذا ينشئ هيئة قضائية استثنائية تحيد عن التفويض الممنوح للقضاء العادي بالحكم في خصومات تتصل بالاستثمار والاقتصاد، كما أنه يرسخ تدخل السلطة التنفيذية في إقامة العدل بموجب قوانين تمنح وزير العدل صلاحيات التكليف القضائي لرؤساء تلك المحاكم وتحديد مقارها، علاوة على تحديد أسلوب عمل الهيئة التحضيرية للقضايا والإجراءات الواجب إتباعها.

6. أضف إلى ذلك أن السنوات القليلة المنصرمة شهدت زيادة بالغة في المضايقات التي تعرض لها نادي القضاة في مصر، بسبب النداء القوي اللهجة الذي وجهه من أجل استقلال القضاء. وتضمنت تلك التدابير إحالة شخصيات قضائية بارزة، منها نائبي رئيس محكمة النقض إلى مجلس تأديبي لأنهما انتقدا الانتخابات المحلية غير المنصفة.

7. في تونس، يتم اختيار أعضاء المجلس الأعلى للقضاء بقرار من رئيس الجمهورية. ويسمح هذا المرسوم فقط بانتخاب ثمانية من جملة 18 عضواً يشكلون المجلس، كما أن قرارات المجلس تتخذ بالأغلبية وعند الحاجة إلى صوت فاصل، يقوم الرئيس أو وزير العدل بهذا الدور في حالة غياب الرئيس. وللمجلس الذي يخضع للسلطة التنفيذية صلاحية ترشيح القضاة وتناوبهم أو تعاقبهم، كما أنه مسؤول أيضاً عن تأديب القضاة. علاوة على ذلك، يمكن محاكمة المدنيين أمام محاكم استثنائية إذا كانت القضية مرفوعة من قبل أحد أفراد القوات المسلحة. ومن الجدير بالذكر أن القضاة التونسيين الذين شاركوا في الدعوة إلى إصلاح النظام القضائي وإلى تعزيز استقلاله تعرضوا للعزل من أجل ضمان امتثال السلطة القضائية لسيطرة السلطة التنفيذية.

8. وفي لبنان يُعيَن القضاة بموجب مرسوم بناءاً على توصية من المجلس الأعلى للقضاء. بيد أن القانون لا يلزم السلطة التنفيذية بأخذ بتوصيات المجلس في عين الاعتبار. وتصنف محكمة العدل اللبنانية بأنها محكمة استثنائية، حيث تُحال إليها القضايا عن طريق مرسوم صادر عن رئيس الوزراء وعادة ما تكون ذات طابع سياسي. ولا يمكن استئناف الأحكام الصادرة عن تلك المحكمة أو الطعن بها.

9. في الأردن تعين السلطة التنفيذية رؤساء المحاكم بمراسيم ملكية، كما أن السلطة التنفيذية مسؤولة مباشرة عن التعيين في المناصب القضائية المرموقة. ومن ثم، فالمجلس الأعلى للقضاء في الأردن لا يتمتع بأي حال من الأحوال بأي استقلالية.

10. وفي سوريا، أعضاء المجلس الأعلى للقضاء هم جميعهم من أعضاء حزب البعث الحاكم. ورئيس الجمهورية هو أيضاً رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالإضافة إلى كونه رئيس السلطة التنفيذية. كما أن الرئيس مسؤول عن تعيين كافة أعضاء المحكمة الدستورية على الرغم من أنها المحكمة الوحيدة المسؤولة عن محاكمة الرئيس في قضايا الخيانة العظمى. وترفع إدارة الرقابة القضائية تقاريرها مباشرة إلى وزير العدل وإلى المجلس. ولا يجوز الطعن في قرارات المجلس بتعيين القضاة أو ترقيتهم أو نقلهم أو تأديبهم أمام أية هيئة قضائية أخرى.

11. في المملكة العربية السعودية، يستند تعيين القضاة وعزلهم إلى مراسيم ملكية ويتم بناء على توصيات من المجلس الأعلى للقضاء الذي يعين رئيسه وأعضاؤه أيضاً بمراسيم ملكية. علاوة على ذلك، يقتصر دور المجلس على اقتراح المرشحين لمناصب نائب رئيس محكمة النقض والمحاكم الابتدائية والمحاكم الجزئية، ثم يعين المرشحون عقب ذلك بمراسيم يصدرها وزير العدل.

12. في المغرب وعلى الرغم من انجاز خطوات هامة نحو الديمقراطية إلا أن دور المجلس الأعلى للقضاء ما زال محدوداً حيث يترأسه الملك بنفسه وبيده إما قبول توصيات المجلس أو رفضها، مما يقيد دوره الاستشاري. وبينما كانت هناك انجازات في مجال تعزيز دور المجتمع المدني في المغرب، إلا أن القضاة يمنعون من ممارسة الحق في تكوين نقابات أو اتحادات أو أن ينتموا لعضويتها. وقد طبقت السلطات المغربية مؤخراً تدابير صارمة ضد القضاة بسبب تورطهم مع “جمعية الدفاع عن استقلال القضاء” وأجبر القضاة على الانسحاب من تلك الجمعية بموجب رسالة ملكية إلى المجلس الأعلى للقضاء يحظر فيها مشاركة القضاة في أية جمعية باستثناء “الجمعية الودادية الحسنية للقضاة”، وهي منظمة معروفة بعلاقاتها الوثيقة مع السلطات السياسية.

13. افتقار السلطات القضائية في الدول العربية إلى الاستقلال المالي: تسيطر وزارات العدل على نحو شبه كامل على ميزانيات السلطات القضائية، الأمر الذي يسمح لها بالمناورة السياسية والسيطرة بشكل أكبر.

14. يعاني أعضاء النيابة العامة في معظم بلدان العالم العربي من انتقاص استقلاليتهم ومن الخضوع للسلطات التنفيذية متمثلة في وزارات العدل. وقد أصبح هذا الأمر ظاهرة متزايدة الخطورة. وتميل العديد من البلدان العربية، تذرعاً بمكافحة الإرهاب، إلى تمرير تشريعات خاصة تمنح سلطات أوسع لوكلاء النيابة مما يقلص المراجعة القضائية لإصدار أوامر الاعتقال والحبس للمتهمين، ويسمح بالتحفظ عليهم لفترات طويلة لحين الانتهاء من التحقيقات.

التوصيات:

أ‌. يدعو مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى تزامن بل وتضافر جهود هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان والقضاة في العالم العربي لحث الحكومات العربية على تبني برامج طموحة للإصلاح القضائي ترمي إلى تعزيز استقلال القضاء، بما في ذلك:

1. مراجعة دساتيرها لكفالة التمسك بالمعايير الدولية والالتزامات الخاصة باستقلال النظم القضائية وإنصافها.
2. ضمان تطابق التشريع الوطني بشأن استقلال القضاء مع تلك الالتزامات.
3. الحفاظ على استقلال الهيئات القضائية مادياً وإدارياً.

ب‌. حث الدول العربية على ما يلي:

1. وضع حد لهيمنة السلطة التنفيذية فيما يختص بتشكيل المجالس العليا للقضاء والسماح للجمعيات العمومية لتلك المجالس بتعيين أعضائها، كما يجب السماح لتلك المجالس بأن تكون لها سلطة حاسمة في تعيين القضاة.
2. يجب أن ترفع إدارات التفتيش القضائي تقاريرها إلى المجالس العليا للقضاء بدلاً من وزراء العدل.
3. حظر كافة أشكال المحاكم الاستثنائية بموجب الدستور
4. يجب ألا يكون أعضاء النيابة العامة مسؤولين مباشرة أمام وزراء العدل أو أن يقعوا تحت سيطرتهم.
5. من الحتمي ضمان حق القضاة في إنشاء جمعيات ونقابات للحفاظ على مصالحهم وتفعيل المهارات المهنية والعمل على صون استقلال القضاء.
6. يشدد مركز القاهرة أيضاً على أهمية تجديد المجتمع الدولي لجهوده الرامية إلى دفع السلطات السودانية على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593، والامتثال إلى طلبات المحكمة بتسليم هؤلاء المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

Share this Post