التعديلات الدستورية والتشريعية في مصر: خطوة للأمام أم للخلف؟!

In صالون بن رشد by CIHRS

شهدت مصر في الفترة الأخيرة صدور حزمة من التعديلات الدستورية والتشريعية وثيقة الصلة بتفاعلات الحياة السياسية، وكان من أبرز هذه التعديلات: تعديل المادة 76 من الدستور بما يسمح باختيار رئيس الجمهورية خلال الاقتراع المباشر بين أكثر من مرشح بدلا من الاعتماد على آلية الاستفتاء، وتبع ذلك إصدار قانون انتخاب رئيس الجمهورية، تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وما تضمنه من إنشاء لجنة عليا للانتخابات ومنحها الشخصية الاعتبارية والنص على تمتعها بالاستقلال في ممارسة اختصاصاتها، وتعديل قانون الأحزاب السياسية بما يتضمن إلغاء بعض القيود ذات الطابع الإنشائي.
وقد كانت التعديلات محلا لشد وجذب كبيرين بين القوى والتيارات السياسية المتخلفة وتباينت الرؤى حول تقييمها ومدلولاتها والنتائج التي سوف تترتب عليها.
وفي هذا السياق نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمسية في إطار صالون بن رشد تحت عنوان “التعديلات الدستورية والتشريعية.. خطوة للأمام أم خطوة للخلف”؟! وأدارها بهي الدين حسن مدير المركز، والذي أشار بداية إلى أن تباين الرؤى حول هذه التعديلات يثير التساؤلات حول موقع هذه التشريعات من عملية الإصلاح وهل تحمل في طياتها ما يمكن اعتباره إضافة حقيقية لهذه العملية بالشكل الذي يفتح المجال أمام المزيد من المشاركة الشعبية في الحياة السياسية المصرية؟ أم أنها لا تزيد عن كونها إجراءات شكلية لتزيين وجه النظام الحاكم وامتصاص الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة؟!!
وفي بداية حديثه أكد حسين عبد الرازق أمين عام حزب التجمع التقدمي الوحدوي أن التعديلات التي تمت مؤخرا في الدستور وفي عدد من القوانين لم تأت تفضلا من الحزب الحاكم، وإنما كانت نتيجة لجهود معركة الإصلاح التي خاضتها أحزاب وقوى المعارضة منذ عام 1980.
وأشار عبد الرازق إلى أنه خلال تلك السنوات تزايدت المطالبة بفتح الباب للتحول الديمقراطي عن طريق تعديل الدستور لتحديد وتقليص السلطات المطلقة الممنوحة لرئيس الدولة ولتحويل مصر إلى جمهورية برلمانية ديمقراطية وإلغاء حالة الطوارئ والإفراج عن المعتقلين السياسيين وتوفير ضمانات الانتخابات الحرة والنزيهة وبصفة خاصة بتشكيل لجنة قضائية دائمة ومستقلة تنفرد بإدارة الانتخابات والاستفتاءات العامة إلى جانب المطالب بإطلاق حرية تشكيل الأحزاب السياسية تحت رقابة القضاء الطبيعي وحده، ورفع الحصار المفروض عليها وإنهاء سيطرة الحزب الوطني على أجهزة الدولة، وكفالة استقلال النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية، وإطلاق حرية إصدار الصحف وملكية وسائل الإعلام للمصريين.
أشار عبد الرازق إلى رفض المعارضة للطريقة التي تمت بها تعديل المادة 76 من الدستور ودعوتها للمواطنين لمقاطعة الاستفتاء على هذه التعديلات يوم 25 مايو الماضي، مؤكدا أن هذه التعديلات حولت الانتخابات ايلرئاسية إلى ما يشبه الاستفتاء على شخص رئيس الدولة الحالي.
أضاف عبد الرازق أن قانون انتخابات رئيس الجمهورية تضمن هو الآخر العديد من المواد التي تخالف الدستور وبها عوار فقهي وقانوني وسياسي فيما احتفظت تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب بنفس الروح والقيود المفروضة على نشأة الأحزاب ونشاطها لتكرس استمرار هيمنة الحزب الواحد على الحياة السياسية في مصر.

إفساد

فيما بدأ المهندس علي عبد الفتاح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين حديثه بالتأكيد على أن ما يجري ليس إصلاحا وإنما إفساد وتعديلات مسيئة وأسوا مما كان موجودا قبلها مشيرا إلى وجود نوع من التلبيس والتزييف وعدم الاكتراث بإرادة الأمة، مدللا على ذلك بعدم صدور قانون منع حبس الصحفيين حتى الآن.
وشدد على أن تعديل المادة 76 تم بضغط المصلحة الخاصة والسعي إلى توريث الحكم في مصر، وأكد عبد الفتاح على أنه لا يوجد ضغط داخلي في مصر وأن القوى السياسية المختلفة تواجه تحديا يوجب عليها أن تنحاز للنضال الوطني الحقيقي.
وأشار إلى جود 21 حزب سياسي في مصر في ظل معادلة ثابتة تقوم على إعطاء رخصة بدون شعبية ووجود شعبية بدون رخصة فيما يحاصر قانون الطوارئ القوى المرخص لها والمحظورة أيضا، موضحا أن الحكم يتمسك بثوابت أولها استمرار العمل بالقانون الطوارئ وحظر قيام الأحزاب الجادة وتزوير الانتخابات، مشيرا إلى أنه حتى لو حدث انفتاح في الانتخابات القادمة، لن يستمر مجلس الشعب الناتج عنها أكثر من عامين ثم يتم حله والعودة إلى التزوير.
قال عبد الفتاح إن الديمقراطية والحرية في مصر شكل بغير مضمون مع محاولات للتجميل كإنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان والضغط على الأحزاب للدفع بمرشحين لها في انتخابات الرئاسية، واتهم عبد الفتاح معظم التيارات والأحزاب السياسية بأنها تمارس عملها حاليا من أجل الدعاية الانتخابية وليس رغبة في الإصلاح.
وقال عبد الفتاح إن أي نظام حاكم في الدنيا يستند إما إلى الشعب أو إلى التأييد الخارجي، مشيرا إلى أن السادات حسم ذلك الأمر حينما أعلن أن 99% من أوراق اللعبة بيد أمريكا، لافتا إلى أن إسرائيل تضغط الآن على الولايات المتحدة للمطالبة بعدم ضغط الأخيرة على مصر في مجال المطالبة بتحقيق الإصلاح.
ورأى عبد الفتاح أن التحدي الذي تواجهه الأحزاب والقوى السياسية هو كيفية إدخال الشعب للمعادلة، معتبرا أن ذلك يتم بمزيد من الشفافية والنضال من أجل إلغاء الطوارئ واستقلال القضاء، وأكد على أن الرهان على ترك فجائي للشعب أمر صعب، وأنه يجب العمل بشكل موضوعي ومدروس ولجذب الشارع عبر نضال متواصل وطويل وبعيداً عن المصلحة الحزبية الضيقة لأي تيار.

تفريغ من المضمون

واعتبر الدكتور مجدي قرقر القيادي بحركة كفاية وأمين مساعد حزب العمل أن التعديلات الأخيرة تم تفريغها من مضمونها ولم تقدم ما تطالب به الأحزاب والقوى السياسية، مدللا على ذلك بأن تعديلات المادة 76 وقانون انتخاب رئس الجمهورية تم تفصيلهما على مقاس” شخص بعينه مع إدخال بعض “الكومبارس” إلى الصورة، مشيرا إلى أن رؤساء الأحزاب الورقية قاموا بذلك الدور بالفعل.
أشار قرقر إلى أن قانون الأحزاب السياسية مخالف للدستور لافتا إلى أنه تم تجميد حزب العمل بموجب القانون السابق، وأنهم في القانون الجديد أضافوا إليه سوءات جديدة ونصوص واشتراطات مطاطة وفضفاضة كاشتراط الحفاظ على الوحدة الوطنية، وغيرها لتستمر المسألة خاضعة للأهواء في قبول الأحزاب أو رفضها.
أضاف قرقر أن لجنة شئون الأحزاب ما زالت بنفس تشكيلها وصلاحياتها وزاد الأمر بأن أصبح الطعن على قراراتها مستحيلا، مضيفا أنه بالنسبة للجنة العليا للانتخابات فقد كانت المطالب الشعبية تتمثل في أن تكون اللجنة مستقلة وليست برئاسة موظفين في الحكومة.
وأكد أن الحكومة تكيل بمكيالين وأن تزوير تذكرة لديها أخطر من تزوير الانتخابات مشيرا إلى أنها منعت صدور قوانين أخرى هامة كقانون منع حبس الصحفيين وقانون استقلال القضاء. ورأى قرقر أن على الجميع انتزاع حقهم في الحرية، معتبرا أن المطالبة بدستور جديد في هذه المرحلة ليس في صالح الأمة لأنه سيزج بنفس الصورة التي خرجت بها التعديلات الأخيرة وأن المطلوب هو يجاد المناخ الديمقراطي أولا ثم المطالبة بدستور جديد.

تغيير

وتحفظ نجاد البرعي مدير جماعة تنمية الديمقراطية على السؤال عنوان الندوة، مشيرا إلى أنه لا يوجد تشريع يعتبر خطوة وإنما هو عبارة عن جزء من عملية وهو ينطق به قضاة ويفسره سياسيون. وأكد البرعي أنه لا يوجد حزب سياسي في مصر “يفضل” حزبا آخر وأن الأحزاب جميعا تستوي مع بعضها البعض، سواء من حيث التنظيم أو عدد الأفراد أو عدد الفاعلين، لكن هناك أحزاب لديها شعور بالاستقواء، أو الاستعلاء، وذلك إما لأن لديها تاريخا سابقا أو أن لديها صحف توزع”.
وأكد البرعي أهمية النظر إلى التعديلات والتشريعيات بها قدر ما لا بد من النظر إليه بطريقة مختلفة والبحث فيما بعد هذه التعديلات، وقال: نحن الآن أمام حقيقة حدثت ولينا انتخابات رئاسية قادمة وقانون أحزاب أصبح قائما، مشيرا إلى أنه رغم اختلاف الآراء حول كل هذه التطورات إلا أنه يرى أن هناك أمل.
واستطرد مشيرا إلى أن على الأحزاب أن تسعى لكسب نسبة معقولة من مقاعد البرلمان، خاصة وأن الأمر قد اختلف بالنسبة للتزوير في ظل إعلان العديد من منظمات المجتمع المدني عن مراقبتها للانتخابات القادمة.
وأشار إلى أن حزب التجمع اتخذ خطوة شجاعة بالموافقة على الرقابة الدولية، وأنه من الوضوح أن الحكومة ستفتح الباب لذلك، وأن حزب الوسط قد يخرج للنور، بما يعطي أول فرصة لوجود حزب سياسي ذو طبيعة إسلامية.
وأكد البرعي أن المطلوب في الفترة القادمة عدة أمور أولها الإيمان بتحالفات قوية مطالبا الأحزاب الأربعة الكبرى بأن تبدأ التفكير ليس في مقاطعة انتخابات الرئاسة، ولكن في زيادة نسبة المشاركة وإخراج الناس من بيوتهم وأن تتفق هذه الأحزاب على مرشح قوي تجيش نفسها وراءه.
وأكد على أن كل المنظومة القانونية الخاصة بحرية التعبير يجب تغييرها وأن الجميع أمام اختيار تاريخي، ويجب أن تظل مطالبهم في التغيير حية وقائمة.

انهيار

وطرح بهي الدين حسن عددا من التساؤلات حول توقعات بصدور قانون الصحافة والقضاء بمبادرة من الرئيس، وعما إذا كان ذلك مسعى يجب أن يسي ري كل من القضاة والصحفيين أم أنه يتناقض مع منطق التوجه الديمقراطي ذاته؟
كما تساءل عن منطقية وضع العصيان المدني كهدف، خاصة عندما لا تكون هناك بدائل سياسية حقيقية، وعما إذا كان اختزال مطالب الأمة في إزاحة رئيس ووضع آخر مجهول مكانه يمثل مطلبا ديمقراطيا وهدفا منطقيا، بصرف النظر عن إمكانية تحقيق العصيان المدني؟!
وعاد حسين عبد الرازق للتعقيب متحفظا على القول بأن كل الأحزاب لا تفضل بعضها في شئ، مشيرا بأن ذلك يمثل تبسيطا للأمور. ودلل على ذلك بأن حزب التجمع يتميز بوجود ديمقراطية داخلية وكل هيئاته منتخبة.
وأشار عبد الرازق إلى وجود متغيرات وخروج عن السائد مدللا على ذلك بتنظيم التجمع مسيرة من مقره حتى البرلمان بدون إذن من أجهزة الأمن وكذلك عقد الحزب لمؤتمرات جماهيرية في بعض المناطق وتوزيعه 50 ألف نسخة من بيان في الشارع وغيرها من الظواهر الجديدة التي تؤكد اختلاف الأحزاب عن بعضها البعض.
وأكد أن المقاطعة ليست بالضرورة موقفا سلبيا وأن التاريخ المصري شهد في لحظات معينة دعوات للمقاطعة وأن هناك أسباب عدة وراء الدعوة لمقاطعة انتخابات الرئاسة في مقدمتها أن الرئيس مبارك يحكم البلاد منذ أكثر من 24 عاما منفردا ويظهر في وسائل الإعلام يوميا فيما مطلوب من أي مرشح في مواجهته أن يقدم نفسه للناخبين في 26 محافظة وأكثر من 4 آلاف قرية خلال 21 يوما هى فترة الدعاية الانتخابية التي حددها القانون.
وحول الاتفاق على رأي موحد للإصلاح بين الأحزاب قال عبد الرازق إنه لا يوجد في أي بلد من بلاد العالم أن اتفق 21 حزب على رأي ورؤية واحدة، وقال إن الشعب المصري أدار ظهره للعمل السياسي ولا يمارس أبسط شكل من أشكاله وهو الإدلاء بالصوت في الانتخابات، حيث شارك في آخر انتخابات برلمانية 24% فقط من إجمالي المقيدين بالجداول الانتخابية.
وأشار إلى أن العصيان المدني يحتاج رقيا في العمل السياسي وأن طرحه الآن هو نوع من خداع النفس وخداع الآخرين في ذات الوقت.
واتفق الدكتور مجدي قرقر مع عبد الرازق في أنه لا يمكن المساواة بين الأحزاب وبعضها البعض وقال ن كل المعارك التي خاضتها الأحزاب الكبرى كانت لمصلحة الشعب، مشيرا إلى أن الحزب الوطني لو تعرض لعشر معشار ما تعرض له حزب العمل لانهار على الفور. وأكد قرقر أن نقد القوانين يعني أن الصورة مأساوية متفقا مع القول بأن ما حدث في مصر مؤخرا لم يكن بجهد داخلي فردي فقط، ولكن بضغط خارجي أيضا لكنه أشار إلى أن الخارج لم يكن ليضغط لو لم يجد تحركا من الداخل وقال قرقر إن من يدخل مصر في دوامة التدخل الخارجي هو تعنت النظام السياسي.
وقال قرقر إن تعديلات المادة 76 أضرت بالرئيس مبارك وأن من حوله أصدروها للحفاظ على استمراريتهم ومصالحهم الخاصة وختم بالقول أن العصيان المدني ليس هدفا ولكنه وسيلة لتحقيق ما نصبو إليه ويمكن أن يشكل قوة ضاغطة في منحنى التغيير، مشيرا إلى أن مصر بالفعل تمر بمرحلة عصيان سياسي.
وجدد نجاد البرعي تمسكه بالمساواة بين الأحزاب جميعا، مشيرا إلى أن كل الأحزاب لها أهداف شديدة والضآلة وأنه يمكن إرضاء أي حزب بخمسة مقاعد في البرلمان، ورأى البرعي أن الرئيس قد يفاجئ الجميع بإصدار قرار بقانون بإلغاء بعض العقوبات في جرائم الرأي والتعبير، لافتا إلى أنه فيما يخص حبس الصحفيين فإنهم يواجهون هذه العقوبة في قانون العقوبات، وأكد أيضا على أنه لا يجب تشجيع الرئيس على إساءة استخدام صلاحياته، على نحو مخالف للدستور لعدم وجود ضرورة لإصدار هذا القرار في غيبة مجلس الشعب.
وأكد على أن هناك تغيير حدث بالفعل، لكنه ليس كبيرا وليس كل ما نتمناه وأن ما يجب بحثه هو كيفية ضمان عدم سقوط النظام الحالي لحساب قوة أسوأ منه، وأنه يجب الاتفاق على نوع التغيير وحجمه وشكله والقوى التي سوف تستفيد منه.

Share this Post