تقرير موجز| محاولة لتقييم السياسات الخارجية الأمريكية تجاه حقوق الإنسان في المنطقة العربية

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان by CIHRS


بعد ثماني سنوات من السياسات الكارثية لإدارة بوش
ما الذي يمكن أن تقدمه إدارة أوباما للعالم العربي؟

محاولة لتقييم السياسات الخارجية الأمريكية
تجاه حقوق الإنسان في المنطقة العربية

تقرير موجز

بالتعاون مع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في العاشر من يناير 2009 حلقة نقاشية استهدفت تقييم السياسات الأمريكية تجاه حقوق الإنسان في المنطقة العربية. وقد أضفى مزيدا من الأهمية على فعاليات الحلقة النقاشية أن توقيت انعقادها يأتي في غضون مرور نحو أسبوعين على العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة من ناحية، وقبيل عشرة أيام فقط من إجراءات انتقال مقاليد السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى باراك أوباما، الذي سيواجه منذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض تحديات مواجهة إرث هائل من المشكلات الداخلية والخارجية التي جسدتها توجهات إدارة بوش، عبر ثمان سنوات كانت كفيلة بوضع سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ومصداقيتها في الحضيض.
شارك في مداولات الحلقة النقاشية التي عقدت بمركز القاهرة ثلاثة من كبار الباحثين بمؤسسة كارنيجي وهم: د. مارينا أوتاوي، د. عمر حمزاوي، د. توماس كاروترس.
كما شارك في المداخلات الرئيسية من مصر كلا من: عبد الغفار شكر نائب رئيس مركز البحوث العربية والأفريقية، خليل العناني الكاتب والمحلل السياسي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، د. أسامة الغزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ورئيس حزب الجبهة الديمقراطية، د. جمال عبد الجواد رئيس وحدة العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
وأدار المداولات د. وحيد عبد المجيد رئيس وحدة الدراسات العربية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية.
وبصفة عامة فقدم حذرت مداخلات عدد غير قليل من المتحدثين من أن الآمال الكبرى المعلقة على إدارة أوباما قد تثير بدورها حالة من الإحباط المتوقع إذا لم يؤخذ بعين الاعتبار أن مهمة أوباما لاستعادة مصداقية الولايات المتحدة عالميا بالغة الصعوبة وتقتضي بداية استخلاص دروس الإخفاقات الهائلة التي منيت بها سياسات بوش، والتي يتطلب معالجتها زمنا قد يستغرق على الأرجح جهود أكثر من إدارة أمريكية لاحقة.

أولويات أوباما في ضوء الحرب على غزة:
نبهت المداخلات إلى أن القضية الفلسطينية لم يكن لها الأولوية في برنامج أوباما الانتخابي، مشيرة إلى أن سلم الأولويات لدى إدارة أوباما يتركز داخليا على التصدي لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، وخارجيا على الخروج من العراق وحسم الحرب في أفغانستان وكبح القدرات النووية لإيران.
غير أن العديد من المداخلات رجحت أن تداعيات الحرب في قطاع غزة سوف تفرض نوعا من التغيير في أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، مشيرة في ذلك إلى إعلان أوباما –ولو بشكل متأخر- عزمه على التعامل مع هذه القضية والانخراط فيها فور انتقال السلطة إليه.
وأشارت بعض المداخلات في هذا السياق أن احد دوافع حماس لإنهاء الهدنة والمبادرة بإطلاق الصواريخ مجددا على بعض القرى الإسرائيلية استهدف إعادة السخونة إلى الصراع الإسرائيلي/ الفلسطيني لفرضه على الإدارة الأمريكية الجديدة، وفي الوقت ذاته فإن إسرائيل استهدفت بهجومها الوحشي على غزة إضفاء مزيد من التعقيد وفرض وقائع جديدة على الأرض، يصعب التعاطي معها من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة.
ورجحت المداخلات أن إدارة أوباما سوف تسعى لإظهار اهتمامها بتطلعات الفلسطينيين من دون أن يؤثر ذلك على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة أو على موقفها الثابت والمنحاز لحماية إسرائيل وأمنها.
ومن ثم يمكن القول أن هناك فرصا لإحداث بعض التعديلات –حتى وان كانت محدودة- في موقف الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. ويعزز ذلك أن السياسة الأمريكية لا يمكن أن تكون مستقبلا أسوأ مما هى عليه الآن، والتي اتسمت بالتطابق الكامل على مدى ثمان سنوات مع المواقف الإسرائيلية، حيث كانت إدارة بوش حريصة كل الحرص على إسباغ المشروعية على  كل اجتياح إسرائيلي للأراضي المحتلة، فضلا عن تقديم مختلف أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي لمختلف المواقف الإسرائيلية. وقد أكدت بعض المداخلات في هذا السياق على أنه من الصعوبة بمكان تخيل استمرار تلك السياسة التي أفضت إلى انهيار مصداقية الولايات المتحدة لأبعد مدى، وخاصة في ظل موقف إدارة بوش المخزي تجاه المذابح المتواصلة في غزة وتفاقم الأوضاع الإنسانية بصورة غير مسبوقة.
وأضافت هذه المداخلات أن أوباما الذي يضع على رأس جدول أعماله فور توليه السلطة لمخاطبة العالم الإسلامي من خلال أحد العواصم الإسلامية، يدرك جيدا أن البوابة الرئيسية لخاطبة العالم الإسلامي هى فلسطين، وفضلا عن ذلك هنالك إدراك متزايد لخطورة تجاهل المسألة الفلسطينية من منظور المصالح الأمريكية في المنطقة العربية، ومن منظور تطلعات أوباما لأن تستعيد الولايات المتحدة مصداقيتها في هذه المنطقة بالذات.
وقد نبهت بعض المداخلات إلى انه بصرف لنظر عما ستؤول إليه نتائج الحرب في غزة فإن فرص التسوية السياسية على أساس الدولتين (إسرائيل وفلسطين) ستظل تواجه صعوبات كبيرة حتى لو أفضت الحرب إلى إضعاف القدرات العسكرية لحماس، فمن الناحية العملية لا توجد بدائل سياسية لسلطة حماس في غزة، والأرجح أن الصراع بين فتح وحماس سيظل قائما بما يهدد بأن يتخذ التحرك السياسي مسارين بسياستين منفصلتين في الضفة وقطاع غزة كل على حدة.

فرص دعم الديمقراطية واستعادة المصداقية:
كدت المداخلات أن السياسات العملية التي تبنتها إدارة بوش لتحفيز التغيير الديمقراطي في العالم العربي لم تحرز نجاحا ملموسة، بل ساهمت في تقويض مصداقية الولايات المتحدة في تحقيق الإصلاح السياسي.
ولاحظ العديد من المتحدثين أن توجهات إدارة بوش أظهرت استعدادا دائما للتضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان، إذا ما اصطدمت بالمصالح الأمريكية، سواء على المدى القصير أو الطويل، وبرهنت على ضعف قدرة الولايات المتحدة على تحمل المخاطر المترتبة على سعيها لتحقيق أهداف الإصلاح السياسي، وهو ما تجسد على وجه الخصوص في موقفها من نتائج الانتخابات الفلسطينية التي أفضت إلى فوز حماس، حيث لم تعترف الإدارة الأمريكية بشرعية الحكومة التي شكلتها حركة حماس، وصنفتها كمنظمة إرهابية ترفض الاعتراف بإسرائيل، وساهمت فيما بعد في تقويض حكومة الوحدة الوطنية التي ضمت حركتي فتح وحماس، مثلما تجسد أيضا في تراجع ضغوط الإصلاح على مصر في أعقاب فوز الإخوان المسلمين بنحو 20% من مقاعد البرلمان المصري.
ولفتت بعض المداخلات النظر إلى أن الولايات المتحدة لم تأخذ بعين الاعتبار في عملية الدفع باتجاه الديمقراطية أن العالم العربي يفتقر إلى أحزاب سياسية ليبرالية ومنظمات مجتمع مدني، يمكن أن تسهم بقوة في هذه العملية، بل أن قوة الدفع الداخلي تكاد تكون محصورة في حركات ذات هويات دينية أو إثنية، وخاصة في ظل الضعف الشديد للأحزاب العلمانية واليسارية، بما يفضي إلى نتائج غير مرضية وفقا لحسابات الإدارة الأمريكية، بل وحتى لدى الشارع العربي الذي تستشعر بعض أقسامه قلقا متزايدا تجاه الصعود البارز للأحزاب الإسلامية بصورة يظهر معها أن توازنات القوى السياسية في معظم البلدان العربية، ليست في صالح التغيير الديمقراطي.
وأشارت بعض المداخلات في هذا السياق أن أنظمة الحكم العربية ظلت هي الأقوى بين مختلف اللاعبين السياسيين،وكانت قادرة على استيعاب أو قمع خصومها. وقد أفضى ذلك إلى  وضع الإدارة الأمريكية في مأزق، حيث المصالح الاستراتيجية تدفع باستمرار لتغليب اعتبارات التعامل مع الأنظمة على التعامل مع حركات المعارضة، وهو ما دفع بالإدارة الأمريكية لتبني خطوات فارغة من أي مضمون، ويتم تقديمها باعتبارها انجازات على طريق التغيير الديمقراطي.
كما لاحظت مداخلات أخرى أن الإدارة الأمريكية والغرب بصفة عامة أخفقا في فهم الخصوصية التي تتسم بها المنطقة العربية، التي يشكل ملمحا بارزا فيها أن اتجاهات التطور الداخلي ترتهن بدرجة كبيرة بتداعيات الصراعات الإقليمية وبالأخص الصراع العربي/الإسرائيلي الذي لا يزال يتصدر الأولوية في الذهنية العربية، ولدى مجتمعات لا تزال تسودها ثقافة التحرر الوطني، التي لم تولي مكوناتها أدنى اهتمام بالديمقراطية. وعلى حين ظلت الصراعات الإقليمية تشغل الجانب الأكبر من حيوية هذه المنطقة فإن إدارة بوش حاولت أن تفصل بين إعطاء قوة دفع للتغيير الديمقراطي من ناحية، ومعالجة الصراعات الإقليمية من ناحية أخرى، وهو ما ترك تأثيراته السلبية على الدفع باتجاه الديمقراطية. وأضاف بعض المتحدثين أن فرص دعم الديمقراطية في ظل إدارة بوش قد أضيرت إلى حد بعيد بفعل السياسيات والممارسات الأمريكية في العراق، والتي أعطت انطباعا بان دعاوى المقرطة التي تبنتها إدارة بوش ليست إلا مرادفا لتغيير نظم الحكم عبر التدخلات العسكرية، أو إشاعة الفوضى الخلاقة!. فضلا عن أن السياسات والاستراتيجيات التي تبنتها الإدارة الأمريكية في الحرب على الإرهاب قد فاقمت عمليا من الإرهاب بدلا من أن تضع حدا له، واقترنت في الوقت ذاته بانتهاك حقوق الإنسان على نطاق واسع، تحت مظلة الحرب على الإرهاب، وأسهمت في الترويج إلى وتسييد التصورات النمطية التي تغالي في تشخيص الخطر الإسلامي وتصنف الإسلاميين كأعداء محتملين.
ورجحت مداخلات المشاركين أن إدارة أوباما لن تندفع في تبني ذات الخطاب الرنان الذي انتهجته إدارة بوش في دعوتها للديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي، ولن تتبع ذات المقاربة والأساليب التي انتهجتها إدارة بوش وأثبتت فشلها.
وأكدت الداخلات على أن فرص تعزيز الديمقراطية سترتهن إلى حد كبير بعدد من العوامل والاعتبارات في مقدمتها:
1- تطهير عملية تعزيز الديمقراطية من الوصمة السلبية التي ألصقت بها في عهد الرئيس بوش، وذلك عن طريق تأكيد احترام الولايات المتحدة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ووضع نهاية للارتباط الذي رسخته إدارة بوش ما بين تعزيز الديمقراطية والتدخل العسكري، وتغيير الأنظمة بالقوة. ولاحظت المداخلات مؤشرات ايجابية في هذا السياق وجدت تعبيرها في إعلان أوباما التزامه بإغلاق معتقل جوانتانامو ومنع السماح بممارسة التعذيب داخل سجون الولايات المتحدة الأمريكية، وتبنيه أفكارا تظهر استعدادا أكبر للحوار مع دول المنطقة ودول الجوار، وبالتالي استعدادا لتفادي سياسة التصادم مع الحكومات.
2- يتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تنتقل من محاولة التشديد على صياغة عالم عربي مشابه للصورة الغريبة للديمقراطية الليبرالية، إلى محاولات مساعدة الدول العربية في إعادة ترتيب أنظمتها السياسية بصورة تستجيب للمتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، فإقامة نظام سياسي فعال قادر على مواجهة تحديات التغيير سوف يكون من شأنه الحد من التوترات التي تقود بشكل متواصل لقمع مظاهر الاستياء والمعارضة. ومن ثم فإن المرجح في ضوء ذلك أن تنتهج الإدارة الأمريكية سياسات أكثر واقعية وأقل طموحا في تعزيز الديمقراطية. وربما يتطلب الأمر أن تضع الإدارة الأمريكية أهدافا أكثر تواضعا في البلدان الأكثر تأثرا بالصراعات الإقليمية، آخذا في الاعتبار أن فرص إحداث تغيرات نوعية سوف تكون أكبر في البلدان البعيدة عن ساحة الصراعات الإقليمية (بلدان المغرب العربي على سبيل المثال).
وقد أعرب مشاركون في هذا السياق عن توقعاتهم بحدوث تراجع في الاهتمام بقضايا المشاركة السياسية والانتخابات وتداول السلطة في مقابل إيلاء اهتمام اكبر نسبيا بانتهاكات حقوق الإنسان وحساسية اكبر تجاه التحرش بالمدافعين عن حقوق الإنسان ومنظماتهم.
وأكد العديد من المشاركين أن الدفع باتجاه الديمقراطية سيظل مرهونا بالدرجة الأولى بالتطورات والتفاعلات الداخلية في البلدان العربية، ولا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج، ومن ثم يتعين على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتبنى مقاربة واقعية وتأخذ بعين الاعتبار إعطاء الأولوية لتغيير البيئة السياسية والثقافية، التي يكن أن تنمو فيها الديمقراطية، وهو ما يتطلب أن تدعم الإدارة الأمريكية جهودا للتحديث وتطوير التعليم ونشر القيم الليبرالية، وتشجيع الثقافة العلمية. كما أكدوا على ضرورة الانفتاح الواسع على مختلف المنظمات العاملة في الحقل السياسي والمجتمع المدني، من أجل فهم أعمق لآراء مختلف الفعاليات في المنطقة العربية.
وخلاصة القول فقد أكد المشاركون أن الآمال المعلقة على إدارة أوباما لا ينبغي الإفراط فيها، وستتوقف إلى حد كبير ليس فقط على ما يمكن أن تطرحه الإدارة الجديدة من أفكار، بل أيضا على المؤشرات والفرص التي يمكن أن تقدمها إليها المنطقة العربية. ففي ظل عوامل الضعف الداخلي في بنية التنظيمات السياسية والمجتمع المدني، فإن ضغوط الأطراف الخارجية من السهل أن تمارس تأثيرا سلبيا أكثر ما يمكن أن تمارس تأثيرا ايجابيا.
كما أكد المشاركون على أن الإدارة الأمريكية تستطيع أن تلعب دورا أفضل في تعزيز الديمقراطية، إذا ما ارتهن ذلك بدور فعال في معالجة القضية الفلسطينية على أسس عادلة، باعتبار أن من شأن ذلك أن يحرر الإدارة الأمريكية من بعض ضغوط الابتزاز السياسي التي تمارس عليها، سواء من قبل نظم الحكم العربية أو بعض النخب السياسية العربية.

Share this Post