أصحاب السعادة،
نكتب إليكم هذه الرسالة تعبيرًا عن قلقنا البالغ إزاء الوضع المتردي لحقوق الإنسان في ليبيا، ولحث وفدكم على دعم الإجراءات الرامية إلى مواصلة التدقيق في سجل حقوق الإنسان في البلاد، خلال الجلسة الجارية 56، لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة.
منذ أكثر من عام، خلصت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا في تقريرها النهائي المقدم للجلس إلى أن “ثمة أسباب للاعتقاد بأن مجموعة واسعة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية قد ارتكبتها قوات الأمن وجماعات الميليشيات المسلحة في ليبيا”. وبناء عليه، أوصى مجلس حقوق الإنسان بـ “بتشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة” في هذه الجرائم. ورغم ذلك، تواصل لميليشيات والجماعات المسلحة وقوات الأمن ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في جميع أنحاء البلاد، والتي قد تصل حد الجرائم بموجب القانون الدولي، وتتطلب اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة من جانب المجلس.
تشمل هذه الانتهاكات الموثقة؛ حالات الإخفاء القسري؛ وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، وأشكال القتل غير القانوني؛ والتعذيب، وغيره من ضروب سوء المعاملة بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي؛ والاعتقال والاحتجاز التعسفي. وقد تصل بعض هذه الأفعال حد الجرائم بموجب القانون الدولي.
وفي هذا السياق، تواصل حكومة الوحدة الوطنية ومقرها طرابلس من جهة، والقوات المسلحة العربية الليبية المسيطرة بحكم الأمر الواقع على معظم شرق وجنوبها والمتحالفة مع الحكومة الليبية (حكومة الاستقرار/الإنقاذ الوطني سابقًا) والميليشيات المسلحة التابعة لها، قمع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني بلا هوادة. تارة بالاعتقالات التعسفية والإخفاء القسري والاختطاف، وأخرى بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي والترهيب والمضايقة. الأمر الذي يحد بشدة من قدرة المجتمع المدني على توثيق الانتهاكات ورفع مستوى الوعي بحقوق الإنسان في البلاد.
لقد أثار الناجون من مثل هذه الانتهاكات في ليبيا مرارًا وتكرارًا مخاوفهم بشأن عدم قدرة و/أو عدم رغبة نظام العدالة المحلي في ضمان العدالة والإنصاف لهم. وقد زاد من تقويض الوضع أن القضاة والمدعين العموم قد تم استهدافهم أيضًا من قبل الميليشيات والجماعات المسلحة، وتعرض بعضهم للإخفاء القسري والتهديدات وغيرها من أشكال الترهيب والمضايقة. ورغم توثيق هذه الجرائم جيدًا، لم تتم محاسبة أي قائد أو عضو في الميليشيات القوية أو الجماعات المسلحة لتورطه في جرائم بموجب القانون الدولي. بل على العكس، شرعت السلطات الليبية المتعاقبة في دمج الميليشيات والجماعات المسلحة ذات السجلات المسيئة في مجال حقوق الإنسان في مؤسسات الدولة، دون أي تدقيق أو فحص مسبق، مما زاد من ترسيخ الإفلات من العقاب.
عقب صدور التقرير النهائي لبعثة تقصي الحقائق في ليبيا، طالب مجلس حقوق الإنسان في قراره الذي تم اعتماده عام 2023، مكتب المفوض السامي بتقديم المساعدة الفنية وبناء القدرات إلى المؤسسات في ليبيا، بهدف منع المزيد من التجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان وضمان المساءلة. وبعد مرور عام، لا تزال حالة حقوق الإنسان في البلاد تتدهور، على نحو يستدعي أكثر من مجرد المساعدة الفنية من الأمم المتحدة، ولا سيما بعد تقويض قدرة المفوضية السامية لحقوق الإنسان على تنفيذ هذه المهمة المحدودة في مجال بناء القدرات، بسبب التحديات والعوائق التي يواجها قسم حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي تندرج ضمنها بعثة المفوضية السامية، وصعوبة تأمين الوصول للأماكن المهمة في مختلف أنحاء البلاد وإلى المؤسسات الرئيسية.
وفي نوفمبر 20223، أعلن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أنه يعتزم “استكمال أنشطة التحقيق في محاور التحقيق الرئيسية المتعلقة بالوضع في ليبيا بحلول نهاية عام 2025”. وحاليًا، المحكمة الجنائية الدولية هي الهيئة الدولية المستقلة الوحيدة المكلفة بالتحقيق في الجرائم الدولية الخطيرة، التي تستمر بلا هوادة في ليبيا.
لقد خلصت التحقيقات المستقلة الثلاثة التي أجراها مجلس حقوق الإنسان بشأن ليبيا؛ (تحقيقات لجنة التحقيق الدولية للفترة 2011-2012، وتحقيق المفوضية السامية لحقوق الإنسان للفترة 2015-2016، وتحقيقات بعثة تقصي الحقائق 2020-2023) إلى أن سلسلة من الجرائم الخطيرة قد ارتُكبت في ليبيا. ومع ذلك، حتى الآن، لم تتم متابعة المعلومات والأدلة التي جمعتها هذه التحقيقات، ولم تسفر عن اتخاذ أي إجراءات لمحاسبة المسئولين عن هذه الجرائم.
وبناء عليه، فإننا نحث وفدكم على دعم قرار في الجلسة الجارية لمجلس حقوق الإنسان، يعزز المساءلة عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة في ليبيا، ويضمن التدقيق المستمر من قبل المجلس لحالة حقوق الإنسان في البلاد. ومن أجل السعي الفعال نحو المساءلة عن هذه الجرائم الخطيرة، ينبغي على المجلس التحرك بناءً على توصية التقرير النهائي لبعثة تقصي الحقائق، وتشكيل آلية تحقيق دولية مستقلة تعمل على؛ (1) توحيد وجمع المعلومات التي خلصت إليها الآليات السابقة والبناء عليها أثناء التحقيق في الجرائم الخطيرة والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي. (2) تبادل المعلومات مع المحاكم الوطنية والإقليمية ذات الولاية القضائية المختصة. وعلى أقل تقدير، وبشكل عام، من الضروري أن يواصل مجلس حقوق الإنسان التدقيق في الوضع المتردي لحالة حقوق الإنسان في ليبيا، وإلا فالمجلس يخاطر بالرضوخ لهذه الانتهاكات المستمرة ويعزز الإفلات من العقاب.
نحن على أتم الاستعداد لمناقشة توصياتنا معك في أقرب وقت ممكن.
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام،
الموقعون:
- العدالة للجميع
- منظمة العفو الدولية
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز مدافع لحقوق الإنسان
- هيومن رايتس ووتش
- المنظمة المستقلة لحقوق الإنسان
- لجنة الحقوقيين الدولية
- محامون من أجل العدالة في ليبيا
- مرصد الجرائم الليبية
- المنظمة العالمية لمكافحة التعذيب
Share this Post