ليبيا: على قوات حفتر وقف التهجير القسري لعائلات التبو في الجنوب

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

في 24 أغسطس/ آب، اعتقلت الجماعات المسلحة شبه العسكرية التابعة للقوات المسلحة العربية الليبية بقيادة خليفة حفتر،مئات المدنيين في جنوب البلاد، بمن فيهم أفراد من أقلية التبو العرقية، واحتجزتهم في قاعدة عسكرية في ظروف غير إنسانية. وبينما تم مؤخرًا إطلاق سراح النساء والأطفال، ما زال عدد غير معلوم من الرجال رهن الاحتجاز، كما تم منع المطلق سراحهم من العودة لمنازلهم. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يطالب سلطات الاحتجاز بإطلاق سراح كل الذين تم احتجازهم بشكل تعسفي فورًا، ويشدد على ضرورة الامتناع عن استهداف المدنيين أثناء العمليات العسكرية، ووقف التهجير القسري للمئات من عائلات التبو.

كانت القوات المسلحة التابعة لكتيبة طارق بن زياد، قد أعلنت أن الهدف من هذه المداهمات والاعتقالات هو “تطهير” جنوب ليبيا من الجماعات المسلحة؛ بينما وجد مركز القاهرة أن كتيبة بن زياد المعروفة بتورطها في ارتكاب انتهاكات عديدة، تعمدت ترهيب المدنيين باستخدام الأسلحة الرشاشة. بالإضافة إلى اعتقال العديد من النساء والأطفال الذين لا يبدو أنهم يمثلون أي تهديد، ونقلهم في شاحنات عسكرية لمسافة 200 كيلومتر في الصحراء حيث تم احتجازهم. وبعد إطلاق سراح النساء والأطفال في 29 أغسطس/آب، تم منع عائلات التبو من العودة لمنازلهم، والسماح لهم فقط بجمع أمتعتهم من المنازل. ومنذ ذلك الحين، تنام العديد من العائلات في العراء ولا تجد مأوى.

لقد أضحت السلامة الشخصية للمدنيين في ليبيا شبه مستحيلة، في ظل تنامي انتهاكات حقوق الإنسان وخروقات القانون الدولي الإنساني واسعة النطاق. إذ ترتكب كل القوى السياسية الليبية الرئيسية – القوات المسلحة الليبية بقيادة حفتر وحكومة الوحدة الوطنية في طرابلس- انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، بتواطؤ من الدول التي تقدم الأسلحة والذخيرة للجماعات المسلحة في ليبيا. كما تفوض السلطات الليبية صلاحيات واسعة لهذه الجماعات المسلحة وتطلب دعمها بموجب مراسيم رسمية، مما يجعل ممارساتها بدعوى حفظ الأمن وإنفاذ القانون بمعزل عن أي مساءلة. هذا بالإضافة إلى دمج هذه الجماعات شبه العسكرية في المؤسسة الأمنية، دون برنامج تدريب وطني مناسب أو حقيقي.

يقول زياد عبد التواب، المدير التنفيذي لمركز القاهرة: “بدعوى حماية حدودها، تتعمد القوات المسلحة الليبية ومجموعاتها شبه العسكرية ترويع المدنيين.. إذ تم اعتقال عائلات بأكملها، ووضعوها رهن الاحتجاز في ظروف غير إنسانية، والآن يضاعفون محنتهم من خلال منعهم العودة إلى ديارهم.”

من جانبه، تواصل مركز القاهرة مع شهود عيان أكدوا دخول عشرات المركبات العسكرية والشاحنات الصغيرة المسلحة التابعة لكتيبة طارق بن زياد إلى حي “الشركة الصينية” وهو موقع بناء غير مكتمل في مدينة أم الأرانب (950 كم جنوب طرابلس)، حيث تقطن مئات العائلات من أقلية التبو العرقية (قبائل بدوية في جنوب ليبيا) استقروا في الحي بعد نزوحهم داخليًا من مدن ليبية مختلفة. وبحسب الشهود تم إلقاء القبض في 24 أغسطس على المئات من سكان الحي، معظمهم من النساء والأطفال، وتم نقلهم بالحافلات لقاعدة “تمنهنت” العسكرية (200 كم من مدينة أم الأرانب).

وبحسب منى (اسم مستعار لأسباب أمنية) إحدى المعتقلات من أم الأرانب قالت لمركز القاهرة؛ أنه في صباح الجمعة 24 أغسطس طرق ثمانية مسلحين ورجال يرتدون أقنعة وملابس عسكرية باب منزلها طالبين الدخول. فلما رفضت وأغلقت الباب كسروا الباب، وأمسكوا ذراعيها بعنف، وأجبروها على الخروج من المنزل. وبالمثل فعلوا مع ابنتها (19 عامًا). ثم سحب المسلحون المرأتين لشاحنة مفتوحة، تضم عشرات آخرين، معظمهم من النساء والأطفال. وبحسب منى، لم يشرح المسلحون أسباب الاعتقالات، ولم يمنحوها فرصة الاتصال بأي فرد من أفراد أسرتها. وانطلقت الشاحنة في الصحراء لعدة ساعات، حتى وصلت لموقع حددته (منى) بأنه قاعدة (تمنهينت) العسكرية، حيث تم احتجازها مع العديد من النساء والأطفال في ظروف غير إنسانية، إذ كانوا ينامون في العراء دون (مرتبة)، ولا يحصلوا على الغذاء، ولا يوجد صرف صحي.

تم إطلاق سراح (منى) وابنتها في 29 أغسطس الجاري، لكن السلطات أخبرتهما أنهما لا تستطيعان العودة للعيش في منزلهما، وإنما سيسمح لهم فقط بالعودة للمنزل لحزم أغراضهم قبل مغادرته.

وبحسب (م، و) من التبو، الذي طلب عدم الإفصاح عن اسمه خوفًا من الانتقام، أنه في يوم 24 أغسطس، وبينما كان في سوق مرزاق (90 كيلومترا من مدينة أم الأرانب)، تلقى مكالمة هاتفية من والدته، تنبهه أن عملية عسكرية تستهدف المدينة. ولما عاد مسرعًا لمدينة أم الأرانب، رأى سيارات عسكرية وشاحنات مليئة بالنساء والأطفال تغادر المدينة، لكنه لم يجد والدته وشقيقتيه أيضًا في المنزل، فعرف أنهن ضمن المعتقلات. وفي رحلة البحث عنهن صادف رجالاً مسلحين (حددهم أنهم من أفراد الكتيبة 128 التي تنتمي للقوات المسلحة الليبية) أخبروه، بعدما أظهر لهم بطاقة هويته الوطنية الليبية، أن يبحث عن أفراد عائلته في قاعدة (تمنهنت) العسكرية. وبعد يومين، تم إطلاق سراح والدته وشقيقاته ضمن 12شخصًا تم إطلاق سراحهم، لكن لم يسمح لهم بالعودة لمنزلهم، وإنما طُلب منهم الذهاب لمركز شرطة أم الأرانب، حيث أجبروا على توقيع ورقة، اطلع عليها مركز القاهرة، تفيد بأنهم بصدد العودة للمنزل فقط لجمع أثاثهم وممتلكاتهم ومغادرته.

تكشف مقاطع الفيديو التي صورها شهود عيان خلال العملية العسكرية، وأطلع عليها مركز القاهرة، عن رجال ذو عتاد عسكري يركضون خلف النساء والأطفال ويضربون بعضهم بالهراوات، بينما نسمع صوت إطلاق رشاشات. وفي مقطع فيديو آخر، نشرته صفحة تابعة للقوات المسلحة الليبية على موقع فيس بوك، ادعت فيه أنه يصور ترحيل عائلات جماعات المعارضة التشادية؛ نرى عشرات النساء والأطفال الصغار يتجمعون في شاحنات مفتوحة محاطة بعربات محملة بالمدفعية الثقيلة.

المتحدث باسم القوات المسلحة الليبية أعلن أن هدف هذه العملية العسكرية، هو حماية الحدود الجنوبية لليبيا من المسلحين التشاديين، وأن الكتيبة طردت الآلاف من المواطنين التشاديين، و “ضربت بقوة” الجماعات المسلحة التشادية. ولكن الشهادات التي تلقاها مركز القاهرة ومقاطع الفيديو التي تمت مراجعتها، تُظهر أن الاعتقال كان عشوائي، ونال بشكل رئيسي من مواطنين ليبيين من أقلية التبو العرقية، الذين عانوا من عدة هجمات مميتة في الماضي. إذ سبق وأشارت البعثة الأممية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا، أن ثمة: “أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن القوات المسلحة العربية الليبية والجماعات التابعة لها قتلت أفرادًا من مجتمع التبو (في مرزاق) في فبراير 2019 وأن القتال تسبب في عمليات نزوح.” وفي 28 نوفمبر 2019، أسفر هجوم آخر شنته الكتيبة نفسها عن مقتل حوالي 12 مدنيًا، بينهم 9 أطفال.

تأتي هذه الواقعة في سياق التوترات المتزايدة في البلاد، حيث يُضار المدنيون من اشتباكات مسلحة مستمرة بين الجماعات المتنافسة بهدف السيطرة على الأراضي. وفي 14 أغسطس، قتلت جماعات مسلحة تابعة لحكومة الوحدة الوطنية 27 شخصًا باستخدام أسلحة متوسطة وثقيلة في حي مدني في طرابلس، بينما أُصيب 106 شخصًا وتشرد 234 على الأقل؛ وتضررت 3 مستشفيات عامة و60 سيارة إسعاف، وفقًا للمصادر الطبية الرسمية. هذا بالإضافة إلى تضرر العديد من المباني العامة والسكنية والتجارية في محيط الاشتباكات، مما أدى لتعطيل الحياة العامة في المدينة لمدة يومين، بما في ذلك تعليق الدراسة ووقف حركة الملاحة الجوية في مطار معيتيقة الدولي، حيث تتمركز قوة الردع الخاصة.

Share this Post