تستنكر المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه استدعاء نيابة استئناف القاهرة لمؤسسة ورئيسة تحرير موقع مدى مصر، لينا عطا الله، للتحقيق غدًا الموافق 6 ديسمبر، وذلك بعد مرور أكثر من شهر على قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحجب الموقع لمدة ستة أشهر، وإحالة المسئولين عنه إلى النيابة العامة، بدعوى «ممارسته النشاط الإعلامي دون الحصول على ترخيص… ونشر أخبار كاذبة دون التحري من مصادرها، والتدليس على الجمهور والإضرار بمقتضيات الأمن القومي»، وفق بيان المجلس.
وترى المنظمات أن استدعاء لينا عطا الله للتحقيق يشكل حلقة جديدة ضمن سلسلة استهداف وملاحقة السلطات المصرية للصحفيين والمدونين، لمجرد ممارستهم عملهم الصحفي وتعبيرهم عن آرائهم، فضلًا عن رغبة السلطات المصرية في إحكام السيطرة على منابر الإعلام، التقليدي والإليكتروني، وحجبها أو مصادرتها.
كانت نيابة استئناف القاهرة قد استدعت لينا عطا الله في 28 نوفمبر الماضي للمثول للتحقيق في اليوم التالي، بينما لم يتسن لفريق الدفاع عن عطا لله معرفة طبيعة الاتهام حتى اللحظة الراهنة. ولاحقًا، أجلت النيابة التحقيق ليوم الغد، بناءً على طلب فريق الدفاع. وكان المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام قد باشر في منتصف أكتوبر الماضي التحقيق مع الموقع، على خلفية نشر تقرير صحفي حول احتمالات تهجير المدنيين الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي إلى الأراضي المصرية.
جدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها صحفيو وصحفيات مدى مصر للتنكيل من جانب السلطات المصرية؛ ففي سبتمبر 2022 حققت النيابة العامة مع عطا الله وثلاث صحفيات أخريات بموقع مدى مصر، ووجهت لهن اتهامات بـــ «نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة»، طبقًا للمادة 188 من قانون العقوبات، كما وجهت النيابة العامة لرئيسة التحرير اتهامات بــ «تأسيس موقع دون ترخيص»، قبلما تقرر إخلاء سبيلهن بكفالات تراوحت بين خمسة و20 ألف جنيهًا. وفي مارس الماضي قررت النيابة إحالة الصحفيات الثلاث، رنا ممدوح وسارة سيف الدين وبيسان كساب للمحكمة الاقتصادية في القضية نفسها، على خلفية نشر خبر صحفي حول ادعاءات فساد بحزب «مستقبل وطن» الموالي للنظام. غير أن المحاكمة لم تبدأ بعد. وفي مايو 2020 ألقت قوات الأمن القبض على عطا الله أثناء إجرائها مقابلة صحفية بجوار مجمع سجون طرة، ثم أفرجت عنها نيابة المعادي لاحقًا بكفالة مالية بعد اتهامها بتصوير منشأة دون الحصول على ترخيص. وتعرضت عطا لله وثلاثة من صحفيي مدى مصر للاحتجاز التعسفي في نوفمبر 2019 عقب اقتحام مقر الموقع، بعد نشر تقرير صحفي حول الدور السياسي لابن رئيس الجمهورية، ثم تم إخلاء سبيلهم لاحقًا دون العرض على النيابة. ويعد موقع مدى مصر واحدًا من أكثر من 600 موقع حجبتها أجهزة الأمن المصرية منذ عام 2017 وحتى اليوم دون سند قانوني.
إن استهداف موقع مدى مصر والعاملين فيه، يشكل الخطوة الأحدث في نهج السلطات المصرية القائم على ملاحقة الصحفيين واحتجازهم، مما أسفر عن تراجع مصر في التصنيف العالمي لحرية الصحافة للمركز 166 من بين 180 دولة، فضلًا عن إدراجها ضمن قائمة الدول التي تمثل أكبر سجون العالم للصحفيين حسب مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة، بسبب تكرار وقائع القبض على الصحفيين والصحفيات ومداهمة الأمن لمقرات المنصات الصحفية والإعلامية. فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ يتواصل احتجاز الصحفيتين هالة فهمي وصفاء الكوربيجي قيد الحبس الاحتياطي منذ منتصف عام 2022، على ذمة القضية رقم 441 لسنة 2022 أمن دولة عليا، بتهمة نشر أخبار كاذبة، وذلك بسبب دعمهن للعاملين بمبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو). فضلًا عن استمرار احتجاز صحفيين ومدونين آخرين.
في السياق نفسه، تواصل السلطات المصرية سيطرتها على المشهد الإعلامي والصحفي برمته، وذلك من خلال الرقابة واسعة النطاق على مواقع التواصل الاجتماعي، وحجب المواقع الإليكترونية عبر توظيف ترسانة تشريعات تقوض عمل وحرية الصحافة والصحفيين، من بينها المادة 49 من قانون مكافحة الإرهاب، والتي تتيح للنيابة العامة وسلطات التحقيق وقف وحجب المواقع. بالإضافة إلى المادة 19 من قانون تنظيم الصحافة والإعلام، التي تضم مصطلحات فضفاضة مثل «الأخبار الكاذبة»، بما يتيح للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إصدار قرارات بوقف وحجب المواقع والمدونات، فضلًا عن المادة 7 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، التي تخول لجهات التحقيق سلطة حجب المواقع إذا كان المحتوى «يشكل تهديدًا للأمن القومي أو يعرض أمن البلاد واقتصادها القومي للخطر».
إن المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه تطالب النائب العام بإسقاط كافة الاتهامات الموجهة لرئيسة تحرير موقع مدى مصر، وتجدد مطلبها بالإفراج الفوري عن الصحفيين والمدونين وصناع المحتوى المحتجزين احتياطيًا منذ سنوات بسبب عملهم الصحفي، ورفع الحجب غير القانوني عن المواقع الصحفية المستقلة، والسماح لكافة وسائل الإعلام بالعمل بحرية دون مضايقات.
المنظمات الموقعة:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
مركز النديم
الجبهة المصرية لجقوق الإنسان
لجنة العدالة
مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
Share this Post