تقرير حقوقي: وضعية حقوق الإنسان أسوأ كثيرًا من 2014 والحكومة المصرية لم تف بـ300 تعهد للأمم المتحدة

In برنامج مصر ..خارطة الطريق, تقارير متخصصة, مواقف وبيانات by CIHRS

12 مطلبًا فوريًا قبل الاستعراض الدوري الشامل الشهر القادم


في إطار الاستعداد لجلسة استعراض الملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، والمقررة في 13 نوفمبر القادم، تنشر مجموعة العمل المصرية من أجل حقوق الإنسان –والمكونة من 11 منظمة حقوقية [1] تقريرها المجمع عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الأعوام الخمس الماضية، والذي سبق وأرسلته إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مارس الماضي، حسب الموعد المحدد لتقديم التقارير الحكومية والمستقلة. التقرير الذي ورد في نسخته الإنجليزية في 5800 كلمة تقريبا حسب الحد الأقصى المصرح به من الأمم المتحدة، تضمنت نسخته العربية مزيد من التفاصيل والأمثلة حول الانتهاكات الخطيرة خلال السنوات الماضية وحوالي300 توصية حنثت بها السلطات المصرية، رغم تعهداتها أمام المجلس في جلسة الاستعراض عام 2014.

وفيما يبدوا أن الحكومة المصرية قد بدأت حملات الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظماتهم بسبب تعاملهم مع آلية الاستعراض الدوري الشامل مبكرًا، فقد ألقت السلطات المصرية القبض على المحامي الحقوقي محمد الباقر، المدير التنفيذي لمركز عدالة للحقوق والحريات، وتعرض أثناء احتجازه للتعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة. ووجهت النيابة لباقر أثناء التحقيق أسئلة تتعلق بتقرير شارك فيه مركز عدالة ضمن التقارير الحقوقية المقدمة للأمم المتحدة ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، حول الانتهاكات التي يتعرض لها النوبيين في مصر.

وحسب ما وثقه التقرير، تؤكد مجموعة العمل أن أوضاع حقوق الإنسان حاليًا أسوأ كثيرًا عما كانت عليه في 2014. حيث شهدت السنوات الخمس الماضية ارتفاع في حالات القتل خارج نطاق القانون خاصة بعد كل عملية إرهابية، فضلاً عن الإفراط في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام حتى للأطفال، وشبهة القتل العمد للمساجين السياسيين بالإهمال الطبي والصحي العمدي لهم أثناء الاحتجاز. بالإضافة إلى التنكيل بالأحزاب السياسية والانتقام من الحقوقيين، وشن أكبر حملة على ذوي الميول الجنسية المختلفة والعابرون جنسيًا، واستمرار التعدي على حقوق النساء والأطفال، ناهيك عن السيطرة على الإعلام وحجب المواقع، وحبس الصحفيين وترحيل المراسلين الأجانب. كما تزامنت فترة إعداد التقرير مع مناخ التعديلات الدستورية القمعي، والإجراءات التعسفية المتخذة بحق المعارضين لها، مروراً بإجهاض مساعي قيادات الأحزاب السياسية لفتح مساحات للمنافسة على الانتخابات التشريعية القادمة من خلال قضية "ائتلاف الأمل." بل أنه وقبل جلسة الاستعراض بشهر، نفذت أجهزة الأمن المصرية أكبر عملية قبض- في مجمله عشوائي- لمواطنين مصريين أو أجانب، فقبضت على 3000 شخصًا على الأقل، وذلك على خلفية مظاهرات محدودة اندلعت في 20 و27 سبتمبر. كما حجبت السلطات المصرية مزيد من المواقع الإخبارية، منها موقعBBC عربي وموقع قناة الحرة. فضلاً عن توقيف المارة في الشوارع وتفتيش هواتفهم وصفحاتهم على مواقع التواصل.

وفي هذا السياق القمعي تابعت الدولة المصرية هجمتها الانتقامية على المنظمات الحقوقية المستقلة والمدافعين والمدافعات، وبينهم من شارك في إعداد هذا التقرير. فبعد منع 31 حقوقيًا من السفر ومصادرة أموال 10 منظمات على الأقل، والتحقيق مع أكثر من 37 حقوقيًا خلال السنوات الماضية، ناهيك عن حملات التشهير والتخوين الإعلامية شبه اليومية، والحض على الكراهية- وعلى العنف والقتل أحيانا- بحق بعض الحقوقيين بهدف الانتقام منهم على عملهم الحقوقي أو لتعاونهم مع الآليات الدولية.

لذلك تعتبر منظمات مجموعة العمل أن التوصيات المدرجة أدناه، والتي أعدتها مجموعة العمل في ضوء ما رصده تقريرها-  تمثل نداء أخير لرفع الظلم عن عدد كبير من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، سواء القابعون بالسجون رهن الحبس الاحتياطي شبه الدائم، أو المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، أو من هم في انتظار تنفيذ أحكام الإعدام، فضلاً عن هؤلاء الممنوعين من السفر أو المحجوز على أموالهم. كما تشمل التوصيات تعديلات تشريعية تضمن مصر من خلالها استقلال القضاء وحماية حقوق المتهمين. وتشير المنظمات أن جلسة الاستعراض الدوري في نوفمبر قد تكون فرصة أخيرة لمراجعة سياسات الدولة المصرية، التي خرجت المظاهرات مؤخرًا تعبيرًا عن الرفض الشعبي لها، تعكس الغضب المكتوم إزاء انتهاكات حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تعد هذه التوصيات بمثابة مرجع للمجتمع الدولي يضم أبرز المطالب المفترض الضغط على الحكومة المصرية من أجل تبنيها وتنفيذها. ومجموعة العمل المصرية على ثقة أن الدولة التي استطاعت تعديل الدستور وتنظيم استفتاء في شهرين فقط، لن تعجز عن الافراج على عدد من سجناء الرأي، أو إجراء بعض التعديلات التشريعية المحدودة قبل بلوغ موعد جلسة الاستعراض في نوفمبر القادم.

وفيما يلي أبرز توصيات مجموعة العمل المصرية في هذا السياق:

  1. على رئيس الجمهورية تفعيل سلطته ووقف أحكام الإعدام النهائية على74 شخصًا على الأقل، واستبدالها بعقوبات أخف بموجب المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية، سواء بالنسبة للأحكام التي لم تعرض عليه بعد، أو الأحكام المستقبلية التي ستصدر عن المحاكم المصرية. وبوجه عام على الحكومة وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام تمهيدًا لتعليق العقوبة، ومراجعة القوانين التي تسرف في إقرارها.
  2. على الحكومة المصرية الكشف عن مصير المختفين قسريًا والمقدر عددهم بالمئات ومن بينهم البرلماني السابق مصطفى النجار، والباحث إبراهيم عز الدين مسئول ملف الحق في السكن بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات.
  3. على الحكومة المصرية اتخاذ التدابير اللازمة من أجل الافراج عن المقيدة حريتهم بسبب ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والمشاركة في الشأن العام، بما في ذلك هؤلاء المحتجزين حاليًا على ذمة القضية 1338والقضية 1356 لسنة 2019 في سبتمبر الماضي. كما تحث المنظمات الدولة على إعلان قوائم المقبوض عليهم أو المحبوسين احتياطياً على خلفية قضايا متعلقة بحرية الرأي والتعبير.
  4. إعادة فتح الكنائس المغلقة لدواع أمنية، والمقدر عددها حسب بحوالي 18 كنيسة، نتيجة اعتراض المتشددين بمحيطها على إقامة الشعائر الدينية فيها، وتوفير الحماية اللازمة لإقامة تلك الشعائر بموجب القانون.
  5. رفع الحجب على أكثر من 513 موقعًا إلكترونيًا حجبتهم الحكومة المصرية، بما في ذلك المواقع الإخبارية المحلية والدولية ومواقع المنظمات الحقوقية.
  6. إلغاء المادتين 40 و41 من القانون رقم 94 لسنة 2015 والآتي تمثلا الغطاء القانوني لاحتجاز أفراد بمعزل عن العالم الخارجي لمدة تصل إلى 28 يومًا، بما يتعارض مع نص المادة 54 من الدستور والتي تضمن إبلاغ من تقيد حريته بأسباب القبض عليه وتمكينه من الاتصال بمحامي.
  7. إلغاء المادة 50 من قانون مكافحة الإرهاب، والتي تجيز تشكيل دوائر الإرهاب داخل المحاكم الجنائية، ووقف العمل بها، نظرًا لكونها دوائر موجهة تعمل على تلبية رغبات النظام. وإسناد القضايا المنظورة أمامها حالياً لدوائر جنائية عادية، وإعادة محاكمة من سبق الحكم عليهم فيها أمام دوائر جنائية حسب اختصاصها الجغرافي.
  8. إلغاء القانون رقم 13 لسنة 2017 والذي يمنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، دون الالتزام بمعيار الأقدمية الذي كان معمول به قبل هذا القانون.
  9. إلغاء القانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة، والذي يتيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإعادة محاكمة من صدر بحقهم أحكام عسكرية أمام قاضيهم الطبيعي.
  10. إلغاء المادة 143/ فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجنائية والتي تبيح حبس المتهمين احتياطيًا في الجرائم المعاقب عليها بالمؤبد أو الإعدام لأجل غير مسمى، والعودة للنص الأصلي الذي يضع حد أقصى للحبس الاحتياطي بعامين فقط. وإلغاء المادة 277 من القانون نفسه، والتي تمنح المحاكم سلطة تقديرية في سماع شهادة بعض الشهود دون غيرهم، لما تمثله من إخلال جسيم بحقوق الدفاع والمحاكمة العادلة. وكذا إلغاء المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 والتي تسمح لمحكمة النقض بالتصدي لموضوع الطعن من أول مرة، لما يمثله ذلك من إخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أنه يزج بمحكمة النقض بما لا يقع في نطاق وظيفتها.
  11. إلغاء المادة رقم 78 من قانون العقوبات المصري، والتي تقضي بالسجن المؤبد أو الإعدام في بعض الحالات، لكل من تلقى أموال أو "أشياء أخرى" من جهات أجنبية أياً كانت للقيام بأعمال تخل بالنظام العام والأمن القومي. كونها تستخدم ألفاظ فضفاضة وغير محددة، فضلاً عن كونها محور الاتهام الرئيسي للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في القضية 173 لسنة 2011 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية.
  12. نشر قانون إلغاء القانون رقم 10 لسنة 1914(قانون التجمهر)، والذي ثبت إلغائه منذ عام 1928 ولم ينشر قانون إلغائه بالجريدة الرسمية، ويعتبر هذا القانون هو حجر الزاوية في الزج بعشرات الآلاف من المتظاهرين في السجون.

[1] تضم المجموعة 11 منظمة حقوقية هم: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم، كوميتي فور جستس، مركز بلادي للحقوق والحريات، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مبادرة الحرية، بالإضافة إلى منظمتين رفضتا ذكر أسمائهما بسبب حملات الانتقام من المنظمات الحقوقية في مصر. فضلاً عن المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وتحالف المنظمات المصرية الكويرية اللذان اشتركا مع مجموعة العمل في إعداد هذا التقرير.



مقدم لآلية الاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة بشأن ملف حقوق الانسان في مصر
(الدورة الـ34 – 13 نوفمبر 2019)


يتناول هذا التقرير الذي أعدته مجموعة من منظمات حقوق الإنسان المصرية بالداخل والخارج، بالرصد والتوثيق أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات الخمس الماضية، وتحديدًا منذ الدورة الثانية للاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر 2014. إذ يركز التقرير على أهم المؤشرات وأنماط انتهاكات حقوق الإنسان في مصر

التقرير في نسخته الإنجليزية تم تقديمه في الموعد المحدد للأمم المتحدة في 28 مارس 2019 حسب القواعد والشروط الملزمة بذلك، علمًا بأن النسخة العربية للتقرير تضمنت المزيد من التفاصيل والأمثلة نظرًا لأنها غير مقيدة بالشروط نفسها.

تضم مجموعة العمل المصرية من أجل حقوق الإنسان منظمات حقوقية مصرية مستقلة، يعمل بعضها من داخل مصر والبعض من خارجها. وقد بدأت المجموعة تحرير هذا التقرير في ديسمبر 2018 مستهدفة تقديم تصور شامل عن حالة حقوق الإنسان في مصر، في أول تعاون بين أعضائها. ونظرًا للضغوط والتنكيل المستمر بمنظمات حقوق الإنسان المستقلة فضلت منظمتان حجب اسمائهما، رغم مساهمتهما الغنية في إعداد التقرير.

أعضاء مجموعة العمل المصرية من أجل حقوق الإنسان:

  1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  2. الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
  3. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
  4. كومتي فور جستس
  5. مبادرة الحرية
  6. مركز النديم
  7. مركز بلادي للحقوق والحريات
  8. المفوضية المصرية للحقوق والحريات
  9. مؤسسة حرية الفكر والتعبير

كما شارك في التقرير من خارج مجموعة العمل كل من المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وتحالف المنظمات المصرية الكويرية.

الإطار العام لوضعية حقوق الإنسان في مصر

 1- تدهورت أوضاع حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات الاخيرة على نحو لم تشهده البلاد في تاريخها الحديث، إذ تكثفت الانتهاكات وحظي مرتكبيها بإفلات كامل من العقاب، وترسخت سياسة الترهيب من مجرد إبداء الرأي أو المشاركة في المجال العام. وانتهجت الدولة جرائم الإخفاء القسري، والقتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، بحق معارضيها، فضلاً عن مساع وأد المجتمع المدني، وقمع الأحزاب السياسية، وإجهاض الحركات السياسية، تارة بحبس قياداتها وأخرى بقرارات التحفظ على الأموال والمنع من السفر. هذه الجرائم التي ارتكبتها الدولة المصرية بدعوى محاربة الإرهاب والسعي للاستقرار، قد تحمل في المستقبل نتائج عكسية بعيدة تمامًا عن تلك الأهداف.

2- خلال الدورة الثانية لاستعراض الملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة في 2014، وخوفًا من الملاحقة والانتقام، قررت بعض المنظمات المصرية المستقلة عدم المشاركة في فعاليات الدورة، مكتفية بإرسال التقارير للهيئات الأممية المختصة، إلا أن هذا لم يعفها من انتقام الحكومة المصرية. فقبل موعد الدورة الثالثة للاستعراض تم منع 31 مدافعًا ومدافعة على الأقل من السفر، فضلاً عن غلق الحكومة المصرية لعدد من المنظمات المشاركة في إعداد التقارير من خلال التحفظ على أموالها، الأمر الذي دفع بعض المنظمات لنقل مقار عملها خارج مصر، أو التوقف عن العمل في مجال حقوق الإنسان، بعدما قطعت الدولة سبل العمل الحقوقي وأبدت عدم تسامح مع النقد.

3- تلقت مصر أكثر من 300 توصية خلال الدورة الثانية للاستعراض، ضربت بجميعهم عرض الحائط. فخلال السنوات الماضية، صدرت العديد من التشريعات التي تبيح التوسع في عقوبة الإعدام، والتحفظ على أموال الأفراد والجماعات، والحد من حرية السفر بإجراءات تعسفية، واحتجاز الأشخاص بمعزل عن العالم الخارجي دون تمثيل قانوني، فضلاً عن إصدار قانون من شأنه القضاء على المجتمع المدني[1] على حد وصف المفوض السامي. بالإضافة لاستمرار حالة الطوارئ منذ 2013 في شمال سيناء، وفرضها على مصر ككل منذ أبريل كما أصدر البرلمان قانون يمنح رئيس الجمهورية الحق في اختيار رؤساء الهيئات القضائية في عدوان على الباقي من استقلال القضاء.

4- شهدت السنوات الأخيرة توسع مهول في تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم مدنية أو عسكرية، بناء على محاكمات شابت إجراءاتها انتهاكات عدة، وانتزعت اعترافات المتهمين فيها تحت الترهيب والتعذيب، فضلاً عن حالات القتل خارج نطاق القانون، وزيادة معدلات الاختفاء القسري، وتحول الحبس الاحتياطي لعقوبة في ذاته تمتد لـ5 سنوات دون محاكمة، والقتل العمد بالإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز.

5- حاصرت الدولة المصرية الأصوات المعارضة والمستقلة، وأغلقت كافة قنوات ومنافذ التعبير الحر، بالإضافة لترهيب الإعلاميين المستقلين والقبض على ما لا يقل عن 111 إعلاميًا بسبب عملهم، لازال 15 منهم على الأقل في السجن، وفصل مئات الصحفيين من الصحف والقنوات أو وقف تجديد عقودهم بسبب انتقادهم أو تحفظهم على سياسات الدولة. كما شرعت الدولة بشكل ما في تأميم وسائل الإعلام والهيمنة على السوق الإعلامي، من خلال تأسيس الأجهزة الأمنية شركات تجارية مهمتها شراء القنوات التليفزيونية والصحف لضمان التحكم في الرسالة الإعلامية. وعلى الجانب الاخر تم حجب ما لا يقل عن 500 موقعًا من جهة مجهولة لا يمكن الطعن ضدها قضائيًا. بالإضافة لسن قوانين من شأنها إحكام السيطرة على المحتوى الإعلامي، وإخضاع الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لأحكام تلك القوانين. ولم تكتف الدولة بتقييد وسائل الإعلام المصرية، بل مارست ضغوطاً على الإعلام الدولي المتواجد في مصر، فرفضت دخول بعض مراسليه، وأجبرت بعضهم على الرحيل، وهددت البعض، فضلاً عن تعطيل إصدار تصاريح العمل، أو تجديدها لفترات قصيرة جدا للتحكم في الإعلام الدولي، الذي يخضع بدوره لقيد قانون العقوبات المصري الخاص بجرائم نشر الأخبار الكاذبة أو إهانة مؤسسات الدولة.

6- بعد إسكات الدولة لكافة الأصوات النقدية والمستقلة يناقش البرلمان حاليًا تعديلات دستورية[2] تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم مدى الحياة، بسلطات شبه مطلقة خصوصًا فيما يخص السلطة القضائية. كما تتوسع التعديلات في محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وتتيح للجيش والمؤسسة العسكرية التدخل في الحياة السياسية بهدف حماية الديمقراطية ومدنية الدولة.

7- تأتي التعديلات الدستورية بعد نجاح الرئيس السيسي وأجهزته الأمنية في غلق المجال العام حيث كثفت الدولة هجومها على الحق في تكوين الجمعيات والأحزاب السياسية لشل قدرة الأفراد على تنظيم أنفسهم، وذلك من خلال محاصرة قوات الأمن- أو مجموعات خارجة عن القانون تابعة للشرطة- لمقار الأحزاب المعارضة أثناء فعاليتها، أو خلال أية تجمعات سياسية على أبوابها، والقبض والتعدي على المشاركين فيها من شباب الأحزاب، إذ ألقت قوات الأمن القبض على ما يزيد عن 10 أشخاص بسبب تعبيرهم عن رفض التعديلات الدستورية، منهم 4 على الأقل كانوا يخططون لحملات إليكترونية لمعارضة التعديلات. هذا إضافة إلى الانتقام من المدافعين والمدافعات بسبب تواصلهم مع هيئات الأمم المتحدة سواء بسجنهم أو هدم منازلهم، أو تهديدهم بالقتل، أو اتهامهم بنشر أخبار كاذبة وتشويه صورة مصر في قضايا جنائية. ولم تنج النقابات المهنية والعمالية من الهجمة، فقد حاصرت واقتحمت قوات الأمن نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها بحجة القبض على صحفيين اشتركا في مظاهرات، وقضت المحكمة بحبس نقيب الصحفيين وأثنين من أعضاء النقابة سنة مع الايقاف بحجة التستر على مجرمين(صحفيين).

8- مازال قانون التجمهر 10 لسنة 1914 وقانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013 وغيرهما من التشريعات المستبدة المجرمة للحق في التجمع السلمي، أهم أذرع الدولة المصرية للقبض على النشطاء السياسيين، وخاصة القادرين على حشد الأفراد وتنظيمهم في تجمعات احتجاجية، مما أسفر عن تراجع ملحوظ في تمتع المصريين بهذا الحق وعزوفهم عنه. ففي تظاهرات 2016 اعتراضًا على توقيع مصر اتفاقية التنازل عن جزيرتين مصريتين للمملكة العربية السعودية، حاصرت قوات الأمن الاحتجاجات وقبضت على معظم المشاركين والداعيين لها.

9- لم يشهد المجال العام أية انفراجه خلال السنوات الماضية، حتى في فترات الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والمفترض أن تشهد حراك سياسي ودعاية انتخابية ونقاش سياسي. فقبل الانتخابات الرئاسية 2018 أحكمت الدولة قبضتها بإزاحة أي منافس محتمل للرئيس الحالي، من خلال القبض على المرشحين المحتملين وتلفيق القضايا لهم ولأنصارهم. وانتهت الانتخابات الرئاسية للولاية الثانية بفوز مشكوك في شرعيته للرئيس السيسي بنسبة 98%، بينما يقبع اثنان من منافسيه في السجن حتى الآن، فضلاً عن اعتداء بدني بالضرب على مساعد أحدهما قبل الزج به للسجن لـ 5 سنوات. وكانت الدولة المصرية قد قطعت الطريق على تشكيل أي جبهة معارضة فعالة داخل البرلمان، بعد انتخابات برلمانية ضعيفة الإقبال والمشاركة في 2015، نظمها قانون انتخابي لا يسمح بمشاركة أحزاب غير مدعومة من الدولة، وعانى فيها الأفراد والقوائم من ترهيب الدولة وتهديدها، فضلاً عن التلاعب في نتائجها.

تقييم وفاء الدولة بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان


الحق في الحياة


10- شهدت السنوات الأخيرة أعقاب جلسة استعراض 2014 انتهاكات جسيمة للحق في الحياة، وارتفعت وتيرة جرائم الدولة بالقتل خارج إطار القانون إلى 356 جريمة على الأقل، بينهم 242 لم تعلن الدولة عن هوية ضحاياها. وزاد صدور وتنفيذ أحكام الإعدام بناء على محاكمات غير عادلة شابها عيوب في الإجراءات وعصف بحقوق الدفاع. إذ صدر 1026حكمًا بالإعدام، 48 منهم واجب النفاذ،[3] بينما تم تنفيذ 47 حكمًا في 12 قضية.

11- في 20 أبريل 2017 كشف مقطع مصور مسرب تورط قوات من الجيش بمنطقة الشيخ زويد شمال سيناء في تصفية 3 أشخاص رهن احتجازهم، وكانت الصفحة الرسمية للمتحدث باسم القوات المسلحة قد نشرت قبل التسريب بأربعة أشهر صورًا للمحتجزين الثلاثة وقالت إنهم قتلوا خلال مواجهات مع الجيش.

12- في 24 مارس 2016 أعلنت وزارة الداخلية مقتل 5 أشخاص قالت إنهم يشكلون عصابة لخطف وسرقة الأجانب، وثبت تورطهم في مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني الذي عثر على جثته وعليها أثار تعذيب في 4 فبراير إلا أن التحقيق في مقتله، وبسبب مشاركة النائب العام الإيطالي، أثبت براءة المقتولين الخمس، مما دفع النائب العام المصري لإصدار بيان بأن الأدلة التي تربط المقتولين الخمسة بقضية جوليو ريجيني كانت ضعيفة.

13- في 20 مايو 2015 أعلنت وزارة الداخلية مقتل "إسلام عطيتو" الطالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس أثناء تبادل لإطلاق النار خلال محاولة ضبطه ومساعي هربه بصحراء التجمع الخامس ضواحي القاهرة، على خلفية اتهامه بقتل ضابط شرطة. إلا أن شهادة الشهود وكاميرات المراقبة بالكلية أكدت وجود "إسلام" بالجامعة في اليوم نفسه وتأديته للامتحان والقبض عليه أثناء خروجه من الجامعة، ولم يظهر بعد ذلك إلا في بيان الداخلية بمقتله.

14- في يناير2017 أعلن بيان رسمي للداخلية تصفية 10 أشخاص قال إنهم المسئولين عن استهداف أحد كمائن الجيش بالعريش، بينهم 4 مجهولا الهوية. وقد ثبت أن 4 من القتلى معلومي الهوية سبق وألقت قوات الأمن القبض عليهم واقتيادهم لمكان مجهول خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2016، وقد أرسل ذويهم تلغرافات للنائب العام لاستجلاء مكان احتجازهم والإفراج عنهم، فضلاً عن طلبات لوزارتي الداخلية والعدل للإفراج عنهم، وذلك قبل أن تعلن الداخلية مقتلهم ومسئوليتهم عن عملية إرهابية وقعت أصلاً خلال فترة احتجازهم.

15- تقدر المنظمات المشاركة في التقرير عدد القتلى خارج نطاق القانون في الأربع سنوات الماضية بـ 356 شخصًا على الأقل، منهم 242 قتيلاً مجهول الهوية. وتكشف شهادات ذويهم للمنظمات الحقوقية عن نمط متكرر يتمثل في القبض على المتهمين، ثم إخفاءهم في مكان مجهول، حتى تظهر صور جثثهم في بيانات الداخلية أو تخطر أسرهم بضرورة الحضور لاستلام الجثث من المشرحة. وقد وثقت المنظمات 63 حالة اختفاء قسري ظهرت لاحقًا جثثهم في أفلام وبيانات دعائية لقوات الأمن من الجيش أو الشرطة، أو عثر عليها في المشرحة وعليها أثار أعيرة نارية بمناطق متفرقة في الجسم. ووفقًا لشهادات الأهالي ترفض السلطات تسليم الجثث إلا بعد التنازل عن الحق في تشريح الجثة وتدوين سبب الوفاة، وتشترط نقلها مباشرة من المشرحة للمقابر دون حتى جنازة.

16- غالبًا تستخدم قوات الأمن في بياناتها مصطلحات انتقامية مثل "تصفية"، "الثأر"، "الانتقام" بعد كل جريمة قتل ترتكبها خارج نطاق القانون، وفي الغالب تصدر مثل هذه البيانات بعد عمليات إرهابية دامية. فبعد يوم واحد من اغتيال النائب العام السابق 29 يونية 2015، أفاد بيان للداخلية بمقتل 9 أفراد ادعت تورطهم في عملية الاغتيال. وفي 4 نوفمبر 2018 أعلنت الداخلية مقتل19 شخصًا في تبادل لإطلاق النار، قالت إنهم ضالعين في تنفيذ هجوم إرهابي على دير الأنبا صموئيل بصحراء محافظة المنيا في 2 نوفمبر

17- خلال الدورة الأخيرة للاستعراض 2014، استقبلت مصر توصيات من 5 دول بالتصديق على البروتكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الخاص بعقوبة الإعدام، باءت بالرفض. كما استقبلت توصيات بالوقف الاختياري لعقوبة الإعدام ورفضتها أيضًا، على نحو يعكس إصرارها على المضي قدمًا في انتهاك الحق في الحياة والتوسع في عقوبة الإعدام، وصلت حد تنفيذ 15حكمًا بالإعدام خلال شهر فبراير 2019 فقط.

18- خلال فترة التقرير كان للرئيس السيسي تصريحات تعكس إرادة سياسية للتوسع في عقوبة الإعدام. ففي جنازة النائب العام السابق هشام بركات في يونية 2015 وجه الرئيس كلمته للقضاة بوجوب تنفيذ أحكام الإعدام، كما دافع الرئيس خلال القمة الأوروبية العربية الأولى عن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق 15 شخصًا خلال شهر واحد، بأن الإعدام جزء من ثقافة وقيم المنطقة العربية!

19- في مصر حوالي 80 مادة قانونية تعاقب بالإعدام، يسمح بعضها بإصدار أحكام جماعية بالإعدام، كالحكم الصادر على 184 شخصًا بالإعدام في قتل ضابط شرطة واحد، ذلك لأن الانضمام لجماعة إرهابية في حد ذاته جريمة قد تصل عقوبتها للإعدام. هذا بخلاف التعريف الغامض الفضفاض للإرهاب، الذي يسمح بإصدار حكم بالإعدام على المنتمي لجماعة إرهابية دون أن يرتكب جريمة قتل أو يمارس عنف. كما أن قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914- على سبيل المثال- يقر بالمسئولية الجنائية لجميع المشاركين في أي تجمهر يزيد عن 5 أفراد، فلو ارتكب شخص جريمة قتل أثناء تجمهر غير قانوني يعاقب كل المشاركين بالعقوبة التي تصل للإعدام.

20- في2017 أصدرت المحاكم المصرية ما لا يقل عن 402 حكمًا بالإعدام، ارتفعت في2018 لتصل لـ 737 حكمًا على الأقل. كما أيدت محكمة النقض خلال السنوات الأربعة الماضية أحكام بالإعدام على 48 شخصًا على الأقل، ونفذ الحكم بحق 47 شخصًا على الأقل، في 12 قضية ذات طابع سياسي، 5 عن محاكم مدنية و7 عن محاكم عسكرية.

21- شهدت المحاكمات انتهاكات جسيمة، بداية من إخفاء المتهمين قسريًا داخل مقار احتجاز رسمية كأقسام الشرطة، وغير رسمية كمقرات الأمن الوطني، ومقرات عسكرية كسجن العازولى العسكري والكتيبة 101 بالعريش، لفترات مختلفة وصلت لـ 219 يومًا. ويؤكد رصد ومراقبة إجراءات المحاكمة في 27 قضية، تعرض 138 شخصًا فيها للاختفاء القسري. كما تعرض المتهمين أثناء إخفائهم للتعذيب بأنواعه، بداية من التعدي بالأيدي والأرجل والآلات الحادة، مرورًا بالصعق الكهربائي في أماكن متفرقة من الجسم، لا سيما الأعضاء التناسلية، وصولاً للاغتصاب وهتك العرض باستخدام العصي، فضلاً عن الايهام بالغرق والتعليق من الأطراف، أو تهديد المتهم بالتنكيل وتعذيب أهله، لإجباره على الاعتراف وعدم تغيير الاعترافات أمام جهات التحقيق والقاضي، أو للإجبار على تصوير اعترافاته ونشرها قبل المحاكمة. ففي 30 قضية محل رصد تعرض 204 متهمًا للتعذيب، ونشرت اعترافات مصورة لـ 13 متهمًا في 5 قضايا بعد تعذيبهم. بالإضافة للتحقيق مع المتهمين في غياب المحامين، أو منع المحامين من الحضور. ففي 28 قضية محل رصد، بدأت النيابة التحقيق مع 356 متهمًا دون محاميهم.

22- لا تسمح نيابات التحقيق للمتهم بسرد ما تعرض له من تعذيب لإجباره على الاعتراف، أو إثبات ما تعرض له من تعذيب رسميًا، وترفض عرضه على الطب الشرعي لبيان سبب وطبيعة الإصابات وقت حدوثها ومدى توافقها مع أقوال المتهم. ففي 28 قضية محل رصد، تجاهلت النيابة ادعاءات 116 متهمًا بالتعرض للتعذيب وطلبهم العرض على الطب الشرعي. وفي حالات أقل يسمح وكيل النيابة بعرض المتهم على الطب الشرعي ويأتي تقرير الطب الشرعي متوافقًا مع رواية المتهم، إلا أن النيابة والقضاء لا يلتفتا للتقرير. وتستند المحكمة في الحكم بالإعدام لاعترافات المتهم المنتزعة تحت تعذيب دون اكتراث لأقواله اللاحقة عن التعذيب وتقرير الطب الشرعي. وهو ما حدث مثلا مع المتهم "محمد وجيه طمان" الذي تعرض للتعذيب لإجباره على الاعتراف وجاء تقرير الطب الشرعي ليثبت ذلك، إلا أن محكمة الجنايات أصدرت بحقه حكمًا بالإعدام بالإضافة إلى 10 آخرين، هذا بالإضافة إلى مماطلة النيابة في قرار العرض على الطب الشرعي لحين اختفاء أثر التعذيب والإصابات من جسم المتهم.

الاختفاء القسري


23- استقبلت مصر 4 توصيات بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، وتعهدت من تلقاء نفسها بالتوقيع على هذه الاتفاقية، لكنها لم تقم لأربع سنوات، ولم توقف الاختفاء القسري بحق النشطاء والخصوم السياسيين. بل على العكس سارت مصر في اتجاه تقنين الاختفاء القسري بإصدارها قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة

24- سمحت المادة 40 من هذا القانون لقوات الأمن بالقبض على الأشخاص وحبسهم لمدة تزيد عن7 أيام قبل التحقيق، كما أتاحت المادة 41 منه أن يكون الحبس بمعزل عن العالم الخارجي، إذ نصت على أنه من حق المقبوض عليه الاتصال بمحاميه أو ذويه دون أن يخل هذا الاتصال بمصلحة الاستدلال والتحقيق، مما يعطي ذريعة لقوات الأمن في عزل المقبوض عليه عن العالم الخارجي تمامًا.

25- وفقًا لتوثيق المنظمات المشاركة في التقرير، تعرض ما لا يقل عن 1500 شخصًا للاختفاء القسري خلال فترة التقرير، ظهر أغلبهم لاحقًا أمام جهات التحقيق المختلفة، وانكشف مكان بعضهم صدفة بعدما رآهم بعض المحامين الحقوقيين في مقرات جهات التحقيق أثناء متابعة قضايا أخرى.

26- عادة ما يظهر المختفيين قسرياً بعد فترات متباينة في تسجيلات مصورة أثناء اختفائهم تحت التعذيب أو الترهيب، يدلون فيها باعترافات بارتكابهم جرائم معينة، ويظهر في كثير من الأحيان على بعضهم علامات الإجهاد وأثار التعذيب. فمثلاً المحامي الحقوقي عزت غنيم المدير التنفيذي للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، ظهر في تسجيل دعائي لوزارة الداخلية ضمن أخرين باعتباره مسئول عن المحور الحقوقي بتنظيم جماعة الاخوان المسلمين الذي تعتبره الدولة تنظيم إرهابي. وفي حالات عدة -منها غنيم- يقرر القضاء إخلاء سبيل المتهمين، بينما يتم إخفائهم خلال إجراءات إخلاء السبيل في أماكن غير معلومة لمدد طويلة تصل لشهرين.

27- تثير ظاهرة الاختفاء القسري واسعة النطاق للمعتقلين من قبل وزارة الداخلية والأمن الوطني والمخابرات العسكرية مخاوف كبرى بشأن تعرض المختفيين للتعذيب ونزع الاعترافات بالقوة عن جرائم تصل عقوبتها للإعدام. ففي القضية 174/2015 عسكرية، وبعد القبض على 19 شخصًا بين 28 مايو لـ 7 يونيو 2015 اختفى المتهمون لـ 46 يومًا -تبين بعدها أنهم كانوا بمقر للمخابرات العسكرية- ثم ظهروا في تسجيل دعائي للجيش يعترفوا فيه بتخطيطهم شن هجمات على مواقع عسكرية وأفراد من الجيش والشرطة، وحكمت المحكمة على 8 منهم بالإعدام، بينما صدر الحكم بالحبس بين 15 سنة لمؤبد على باقي المتهمين. وقد ذكر أحد المحكوم عليهم بالمؤبد (عمرو محمد علي) لمنظمة العفو الدولية أنه خلال فترة اختفاءه تعرض للتعذيب بالصعق الكهربائي والجلد، وأنه أجبر على تصوير اعترافه.

الحق في سلامة الجسد وعدم التعذيب


28- استقبلت مصر في دورة الاستعراض الماضية 15 توصية من 19 دولة تحثها على الانضمام للبرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وسحب تحفظاتها على الاتفاقية، وهو ما رفضته مصر. كما تلقت توصيات بخصوص تعديلات تشريعية تضمن تعريف للتعذيب يتفق مع الدستور المصري والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، فضلاً عن تقديم ضمانات للمحاسبة والانتصاف العادل ومعاقبة مرتكبي جريمة التعذيب، وهو ما قبلته مصر. وعلى المستوى الفعلي لم تف مصر بأي من تلك التعهدات، كما لم تلتزم بمواد الدستور في هذا الشأن، بل حاربت الجهود الرامية لاقتراح تشريع لمكافحة التعذيب، وأحالت القاضيان هشام رؤوف وعاصم عبد الجبار لمجلس التأديب والصلاحية تمهيدًا لفصلهما[4] بسبب مراجعتهما مشروع قانون لمكافحة التعذيب أعده المحامي الحقوقي نجاد البرعي، الذي واجه بدوره اتهامات بتأسيس جماعة غير شرعية وتلقي تمويلات أجنبية، وذلك قبل أن يتم منعه من السفر.

29- بحسب توثيق المنظمات لقضايا التعذيب، لايزال التعذيب متفشيًا في مصر، ومرتكبيه بمعزل عن العقاب، لم يتم التحقيق معهم إلا في حالات نادرة، في جرائم تعذيب أدت لوفاة الضحية، وتسببت في احتجاجات عنيفة ومحاصرة للمقار الأمنية وقطع الطريق من قبل أهالي الضحايا. وغالبًا ما تتهاون المحاكم في معاقبة الجناة. ويشير تقرير لجنة مناهضة التعذيب إلى أن التعذيب ممارسة منهجية في مصر، وأن جهات التحقيق يسهلوا عملية التعذيب بتقاعسهم عن كبح ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة أو اتخاذ إجراء بشأن الشكاوى.[5]

30- في 2018 تم القبض على محمد عبد الكريم (عفرتو)، وبعد اقتياده لقسم شرطة المقطم، حيث تعرض لضرب مبرح أودى بحياته بالحجز في اليوم نفسه، اشتعل غضب عائلته وجيرانه فتظاهروا أمام القسم. وبعد ضغوط تم إحالة اثنين من رجال الشرطة للمحكمة، وحُكم على أحدهم بالحبس 3 سنوات والآخر 6 أشهر (حكم غير نهائي). كما صدر الحكم على أهل وجيران الضحية المتظاهرين أمام القسم بالحبس لعام بتهمة التجمهر غير القانوني.

31- على عكس ادعاء الحكومة المصرية في تقرير نصف المدة لآلية الاستعراض الدوري، فإن تعديل قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان لم يقرر حق الزيارات المفاجئة للسجون من الناحية العملية، إذ يتطلب الأمر عملية طويلة من الموافقات يبقى بعدها الوفد في مكتب إدارة السجن، ولا يستطع الوصول لزنازين السجن، ولا مقابلة السجناء،[6] كما أن التعذيب ليس قاصرًا على السجون فقط، بل ينتشر بصورة أكبر في مراحل التحقيق في أقسام الشرطة أو في مقار الأمن الوطني أو في مواقع عسكرية غير رسمية لا تخضع لأي تفتيش حتى من الجهات القضائية.

32- لازال التعذيب في مصر سياسة منهجية تستخدمها قوات الأمن لنزع الاعترافات أو للترهيب والإرشاد، أو لتصفية حسابات سياسية. فقد رصدت المنظمات حالات وفاة ناجمة عن تعذيب بين 32 حالة. ومن خلال دراسة أوراق 31 قضية، تضمنت محاضر التحقيق أشكال مختلفة من التعذيب والإكراه المادي والمعنوي من قبل الجهات الأمنية، لإجبار المتهمين على الاعتراف بالتهم الموجهة لهم، وتعرض 212 متهمًا في 31 قضية للتعذيب والإكراه.

33- تُظهر أقوال وتصريحات 212 متهمًا تعرضهم لشكل أو عدة أشكال مجتمعة من التعذيب. وبتصنيف أنواع التعذيب تعرض 132 متهمًا للاعتداء البدني بالضرب بالأيدي والأرجل أو الآلات الحادة من قبل قوات الضبط أو داخل أماكن الاختفاء القسري، وتعرض 89 متهمًا للصعق الكهربائي، وتعرض 26 متهمًا للتعليق من الأطراف على الأبواب، وتعرض 70 متهمًا للتهديد بالتعذيب أو الاعتداء على أسرته.

34- وبحسب متابعة القضايا، تعمدت جهات التحقيق سواء نيابة عامة أو نيابة أمن دولة أو نيابة عسكرية تجاهل مزاعم التعذيب. ففي 18 قضية وثقتها المنظمات، أثبتت جهات التحقيق وجود أثار إصابات وعلامات على أجساد 89 متهمًا، لكنها لم تتخذ أي أجراء حيالها، بل باشرت التحقيق رغم الادعاء بأن الاعترافات تمت تحت التعذيب. وفي حالات قليلة تتخذ جهات التحقيق إجراء بالإحالة للطب الشرعي، فبين 212 متهمًا تم إحالة 88 فقط للطب الشرعي لبيان الإصابات وما إذا كانت ناتجة عن تعذيب. وفي حالات عديدة تتم الإحالة للطب الشرعي بعد فترة من الزمن تضمن زوال أثار التعذيب والجروح. فمثلاً في تقرير الطب الشرعي لأحد المتهمين في القضية 4757 لسنة 2014 جنايات مصر الجديدة جاء فيه أن "المعالم الأصلية لإصابته قد تغيرت بما طرأ عليها من تطورات وعوامل شفاء يتعذر معها تحديد طبيعتها أو تاريخ حدوثها."

35- يحظى المجرمون بالإفلات من العقاب، فبجانب القصور التشريعي للمحاسبة والانصاف في جرائم التعذيب، تغيب الإرادة السياسية للمحاسبة على تلك الجريمة، ونادرًا ما تتم الإحالة للتحقيق في حالات التعذيب إلا في بعض حالات الوفاة، وبعد ضغط من أهل الضحية. فمن بين حالات الوفاة الناتجة عن التعذيب تم تقديم المتورطين في ثلاث حالات فقط للمحاكمة، وتمت إدانتهم بأحكام سجن تعتبرها المنظمات غير منصفة بالنظر لفداحة الجرم. فبخلاف حكم على شرطي بالسجن 7 سنوات، تراوحت الاحكام الأخرى بين الحبس 3 سنوات فأقل، هذا بخلاف أحكام بالبراءة. فمثلاً، برأت محكمة النقض المتهمين بقتل المحامي "كريم حمدي" بعدما ورد في حكم الجنايات أن المتهمين ناقشوا المجني عليه في غرف المباحث معصوب العينين، مقيد اليدين، وانهالوا عليه ضربًا بالأيدي والأرجل، قاصدين إيذائه للاعتراف والإرشاد عن باقي المتهمين، وقد أدى الاعتداء على المجني عليه لوفاته."

أوضاع السجون وأماكن الاحتجاز


36- خلال السنوات الأخيرة تكدست السجون بشكل غير مسبوق رغم بناء سجون جديدة. زاد عدد السجناء السياسيين عن 60000 سجينًا منذ منتصف 2013 وحتى الآن. وبحسب دراسة المنظمات لأوضاع الاحتجاز نخشى أن تكون حالتها البائسة والإهمال الطبي فيها سبل إضافية للتنكيل بالمعارضين السياسيين. فبحسب شهادات معتقلين سياسيين سابقين هناك تجاهل عمدي لتقديم الرعاية الطبية للمساجين، وتعمد للإبقاء على الأحوال المعيشية للسجناء رديئة، رغم تلقي مصر توصيات في هذا الصدد، منها توصيات بإنشاء جهاز مستقل للإشراف على أماكن الاحتجاز. ورغم ادعاءات الحكومة المصرية أثناء جلسة الاستعراض 2014، وردها في تقرير نصف المدة 2017، بأن السجون في مصر تخضع للإشراف القضائي فضلاً عن تمكين المجلس القومي لحقوق الإنسان من زيارات مفاجئة لها، فقد أفاد سجناء سابقين وذويهم، أن هذا لم يحدث ولا توجد رقابة فعلية على السجون وأماكن الاحتجاز.

37- معظم الزنازين صغيرة المساحة بما لا يتناسب مع عدد السجناء إضافة لسوء التهوية، مما يخلق بيئة مسببة للأمراض، وصعوبة النوم أو الأكل في تلك المساحة المتكدسة.

38- تسلب إدارة السجون أحيانًا حق المساجين في التريض المكفول بالمادة 85 من لائحة السجون، وفي بعض السجون، يخرج السجناء للتريض في أماكن مغلقة ملحقة بالعنابر. كما يٌحرم بعضهم من حق الزيارة، كالرئيس الاسبق محمد مرسي،[7] وقد تغلق إدارات السجون سجون بعينها لفترات طويلة مثل سجن طره شديد الحراسة 1 (المعروف باسم سجن العقرب) بموجب المادة 42 من قانون تنظيم السجون، التي تسمح بمنع الزيارة لأسباب أمنية وصحية.

39- تفرط إدارات السجون المختلفة في استخدام الحبس الانفرادي كوسيلة للتنكيل بالسجناء في قضايا سياسية، تحت دعوى خرق قواعد السجن، رغم أن اللائحة تحدد على وجه الدقة حالات توجب عقوبة الحبس الانفرادي. ووفقاً للتعديل الأخير للائحة السجون تم تمديد الحد الأقصى للحبس الانفرادي من 15 لـ 30 يومًا. وبحسب شهادات أهالي بعض السجناء السياسيين فإن الحبس الانفرادي تحول لنمط عادي وليس عقوبة، إذ تم حبس بعض المتهمين انفراديًا فور ورودهم للسجن، مثل محمد القصاص نائب رئيس حزب مصر القوية المحبوس احتياطياً منذ مطلع 2018 دون محاكمة، وأحمد دومة المحبوس من وبحسب شهادة سجناء سابقين، زنازين الحبس الانفرادي عبارة عن غرفة ضيقة مظلمة لا تتجاوز مساحتها متر واحد طولاً و20 سم عرضًا، خالية من أية محتويات ولا يوجد بها حمام، ويتم منع الزيارة والتريض عن المحتجزين فيها طوال فترة التأديب.

40- تقّدر المنظمات المشاركة أنه من 2016 وحتى 2018 توفى حوالي 66 سجينًا نتيجة الإهمال الطبي، ما بين حالات طبية خطيرة لم تحصل على الرعاية اللازمة في الوقت المناسب مثل مرضى السرطان أو الفشل الكبدي، وبين حالات بسيطة سهلة العلاج يفترض ألا تنتهي بالوفاة في حالة وجود حد أدنى من الرعاية الطبية، مثل حالات تلوث الجروح أو الحمى أو غيبوبة السكر أو الجفاف نتيجة الإسهال.

41- في السجون التي يتوافر بها طبيب، يكون الطبيب غالبًا غير مؤهل بالدرجة الكافية، والوصول له ليس بالأمر الهين، إذ يجب أولاً أن يمر الطلب من حرس العنابر والزنازين، ثم للضابط المناوب ثم لإدارة السجن ثم للعيادة. ووفقاً لشهادة معتقل سابق، طبيب وناشط حقوقي، "يتواجد طبيب السجن بصفة مستمرة في أوقات العمل الرسمية، أما بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية وفي الإجازات يختفي الطبيب ويتولى ممرض العيادة الكشف على الحالات ووصف الأدوية والتي غالبا ما تكون مسكنات، رغم أهمية وجود طبيب مناوب كل الأوقات بعيادة السجن." وفي مؤتمر صحفي نظمته مجموعة حقوقية تعمل على رصد الانتهاكات الصحية في السجون، ذكرت زوجة أحد المعتقلين الذين توفوا نتيجة الإهمال الطبي أن زوجها كان يعاني من ألم في البطن ولم يتم تحويله لمستشفى القصر العيني التعليمي إلا بعدما تدهورت حالته، وبدأ يتقيأ دمًا. وأثناء وجوده في المستشفى لم يسمح لها بزيارته. وتوفى بعدها بأيام نتيجة اصابته بسرطان المعدة، لتكتشف زوجته فيما بعد أنه قد تم تشخيصه قبل ذلك بـ 6 أشهر، وأن إدارة السجن حجبت عنها هذه المعلومات ولم تنقله من السجن إلا في المراحل النهائية للمرض.

استقلال القضاء وانتهاكات ضمانات المحاكمات العادلة والمنصفة


42- تلقت مصر 11 توصية بشأن اجراءات وضمانات المحاكمة العادلة، أيدت 6 منها تتعلق بمراعاة معايير العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية للمحاكمات العادلة، ومبادئ الدستور المصري، واحترام حق الوصول للمحاميين وذوي المتهمين، والتعاون مع المفوضية السامية للحصول على المساعدة التقنية لتعزيز استقلال القضاء. كما أيدت مصر جزئياً 3 توصيات بضمان المحاكمات العادلة وعدم محاكمة المدنيين عسكريًا. وفي ذلك تؤكد المنظمات أن مصر سارت خلال الأربع سنوات الماضية على النهج نفسه الذي اتبعته قبل الدورة الثانية للاستعراض، والمعاكس تمامًا للتوصيات ولتحقيق العدالة، والساعي للانتقام من الخصوم السياسيين.

43- في 7 ابريل 2017 صدق رئيس الجمهورية على القانون رقم 13 لسنة 2017 الخاص باختيار رؤساء الهيئات القضائية، بما يتيح للرئيس سلطة اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية ومنها محكمة النقض ومجلس الدولة، في عدوان مقنن وخطير على سير العدالة ومخالفة للدستور، والمادة 14 من العهد الدولي الخاصة باستقلالية وحياد المحاكم وعدم تدخل أي سلطة في تعيين القضاة. ولم تكتف السلطات بالاعتداء على استقلال القضاء بموجب هذا القانون بل تقدم البرلمان- الموالي لرئيس الجمهورية- بمقترحات لتعديل الدستور، منها نص يحصن هذا القانون من شبح عدم الدستورية، ويؤكد حق رئيس الدولة في تعيين رؤساء الهيئات القضائية.

44- رغم التوصيات الموجهة لمصر بشأن محاكمة المدنيين عسكريًا، ورغم القيد الضعيف والهزلي في الدستور على تلك المحاكمات، أصدر رئيس الجمهورية قرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، أقره البرلمان لاحقًا، بشأن تأمين المنشآت العامة والحيوية، وبموجبه تعتبر المنشآت العامة والحيوية منشآت عسكرية يفضي الاعتداء عليها - أياً كان هذا الاعتداء- إلى مثول المدنيين لمحاكمات عسكرية. ورغم أن القانون تضمن نطاق زمني عامين لسريان نصوصه يمكن مدهم لمدد أخرى، فهو لازال ساري وتم مده لـ وفي إطار تحصين هذا القانون من شبح عدم الدستورية، تقدم البرلمان بمقترح تعديل دستوري من شأنه إزالة القيد الدستوري الضعيف على إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية.

45- في ابريل2017 أصدر رئيس الجمهورية تعديلات جوهرية على قانون الإجراءات الجنائية وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، وقانون مكافحة الإرهاب، وقانون الطوارئ، من شأن جميعها تقنين الوضع المخزي لمنظومة العدالة في مصر. فتعديلات قانون الإجراءات الجنائية عصفت بالحق في الدفاع، وقننت ممارسات دوائر الإرهاب بمحاكم الجنايات، والتي طالما تصدت لها محكمة النقض بسبب بطلان أحكامها، وهو حق المتهم في الاستعانة بشهود. حيث أعطى القانون الصلاحية لمحكمة الجنايات برفض طلب المتهم الاستماع لأقوال بعض الشهود، ووضع قيد ضعيف للغاية على هذا الأمر بأن تسبب المحكمة رفضها.

46- أدخل القانون أيضاً تعديلات جوهرية على إجراءات الطعن أمام محكمة النقض، أكبر محكمة في مصر تراقب تطبيق القانون، بموجبها تنظر محكمة النقض الطعن على حكم محكمة الجنايات من منطلق فحص مدى تطبيق القانون والاجراءات دون النظر للوقائع، فإذا لم تجد خلل في الاجراءات رفضت الطعن وأصبح الحكم نهائي، وإن قبلته تنظر محكمة النقض في الطعن وتصدر حكمها، ولا تحيله لدائرة جنايات أخرى لإعادة المحاكمة. وتظهر خطورة هذا التعديل مثلاً في قضايا أحكام الإعدام، باختصار اجراءات جوهرية لبيان الحقيقة، لتكون النتيجة النهائية هي تسريع تنفيذ أحكام الإعدام.

47- ظهرت محاكم أمن الدولة طوارئ كنتيجة لتطبيق حالة الطوارئ بقرار رئيس الوزراء 840 لسنة وتعتبر هذه النوعية من المحاكم انتهاكًا للحق في المحاكمة العادلة، والأحكام الصادرة عنها لا يتم نقضها أو الاستئناف عليها، فقط يمكن تقديم تظلم أمام الحاكم العسكري بشأنها، وضمن من تم اتهامهم مؤخرًا في جنح أمن الدولة طوارئ الصحفي "أحمد جمال زيادة" بتهمة نشر وإذاعة اخبار كاذبة، بعد اعتقاله من مطار القاهرة ٢٩ يناير ٢٠١٩ وإخفاءه لمدة ١٥ يومًا بمقر الامن الوطني بالشيخ زايد بمحافظة الجيزة.[8]

حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب


48- رغم إقرارانا بواقع التهديدات والتحديات التي تواجها الدولة المصرية ومواطنيها بشكل يومي من الجماعات الإرهابية، إلا أن الدولة تنتهك حقوق المصريين- وخاصة المعارضين السلميين وأصحاب الآراء الحرة- بشكل يومي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن، بما في ذلك الحق في الحياة، والحق في التجمع السلمي، وحق تكوين الجمعيات، والحق في المعرفة، والحق في حرية الرأي والتعبير. ورغم قبول مصر توصية فرنسا وبوركينافاسو باحترام حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، إلا أن الدولة لم تلتزم البتة بذلك.

49- فبخلاف الرقابة المفروضة على وسائل الإعلام المختلفة، فإن نشر بيانات أو أخبار عن العمليات العسكرية في إطار مكافحة الإرهاب غير الصادرة رسميًا عن الدولة والمتحدث العسكري تعتبر جريمة جنائية بموجب قانون مكافحة الإرهاب، ناهيك عن أن الحصول على معلومة خاصة بمكافحة الإرهاب أمر خطر وصعب، يصبح شبة مستحيل إذا تعلق الأمر بمنطقة شمال سيناء، حيث تفرض الدولة حصار مشدد وصل لحد التحقيق واحتجاز عدد من الصحفيين والمراسلين الأجانب حاولوا الذهاب لسيناء سعيًا لمعلومات أو أخبار.

50- من واقع المعلومات المتاحة، وتقارير المنظمات الوطنية والدولية، يعيش أهالي شمال سيناء- ومعظمهم من البدو- في جحيم يومي بسبب الحرب على الإرهاب، وتنتهك حقوقهم الأساسية منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وتنامي نشاط التنظيمات الإرهابية. حيث انتهكت السلطات المصرية حقوقهم من خلال عدد تدابير من بينها التهجير القسري وتدمير المنازل والممتلكات الخاصة، بالإضافة لتدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وفرض قيود شديدة على حرية الحركة.

51- في أكتوبر2014، صرح محافظ شمال سيناء بأنه تم تهجير 1165 أسرة على الأقل من 802 منزلًا تم تدميرهم في إطار خطة الحكومة المصرية لعمل منطقة فاصلة على الحدود مع قطاع غزة.[9] وعلى صعيد متصل، قدرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنه بين يوليو 2014 وأغسطس 2015، دمرت السلطات المصرية 3255 مبنى من المباني السكنية والتجارية والإدارية والمجتمعية. بالإضافة إلى الإخلاء القسري لآلاف الأشخاص في ظل غياب التعويضات المناسبة. وفي فبراير 2018، أعلنت السطات المصرية بدء عملية عسكرية شاملة "العملية سيناء 2018" لمواجهة التنظيم الإرهابي، صاحبتها سلسلة جديدة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق السكان. كما رصدت منظمة العفو الدولية استخدام الجيش للقنابل العنقودية المحرمة دوليًا في عملياته العسكرية في سيناء، في انتهاك صارخ للقانون الدولي وتجاهل تام لسلامة وأمان المدنيين.[10] أيضًأ تورط أفرادًا تابعين للقوات المسلحة المصرية في عمليات قتل خارج نطاق القانون (تصفية جسدية)، فمثلاً في إبريل 2017 تم بث مقطع مسرب لعدد من الأشخاص العزل -بينهم طفل17 عامًا- تم قتلهم في عملية تشبه الإعدام دون محاكمة.

52- عجزت الدولة عن توفير الحماية لسكان شمال سيناء، الذين عانوا من عمليات خطف وقتل من قبل الجماعات الإرهابية عقابًا على تعاونهم مع الجيش المصري، وفي أحيان أخري لأسباب تتعلق بالأيديولوجية الدينية للتنظيم. ففي نوفمبر 2016، نشر تنظيم ولاية سيناء التابع لتنظيم الدولة الإسلامية صورًا لعملية إعدام الشيخ "سليمان أبو حراز" القيادي الصوفي، بعد اختطافه تحت تهديد السلاح لأسباب تتعلق بمخالفته للتوجهات الدينية للتنظيم. وفي نوفمبر 2017، أستهدف التنظيم مسجدًا معروف بانتماء غالبية قاصديه للطريقة الصوفية، بقرية الروضة ببئر العبد أثناء صلاة الجمعة. وقد أسفر الهجوم عن مقتل 305 شخصًا و128 مصابًا على الأقل من المدنيين، بينهم 27 طفلاً.[11] كما أصدر التنظيم تهديدًا عامًا لمسيحيي العريش يطالبهم بالرحيل عن المدينة، ثم قتل 8 منهم في يناير2017، مما نتج عنه نزوح جماعي قسري لما يقرب من 300 أسرة مسيحية لمحافظات أخرى.

الحق في حرية تكوين الجمعيات وأوضاع المدافعات والمدافعين عن حقوق الانسان


53- تلقت مصر توصيات عدة بشأن احترام الحق في حرية تكوين الجمعيات، تمحورت حول ضرورة سن قانون جديد للجمعيات الأهلية يتوافق مع الدستور والمعايير الدولية، ويتيح للمجتمع المدني العمل بحرية بعيداً عن التهديدات، ودون تدخل في نشاطه، وحرية تنمية موارده المالية سواء دولياً أو محليًا، ولكن جاءت الممارسة مخيبة للآمال.

54- في مايو 2017 أصدر الرئيس السيسي قانون جديد للجمعيات الأهلية لا يخالف فقط الدستور والمعايير الدولية، بل يستهدف القضاء على المجتمع المدني، كما وصفه بيان للمفوض السامي، ويجعل عمل المنظمات تقريبًا مستحيل. إذ يفرض القانون عقبات على عملية التسجيل، وتحايل بالمصطلحات القانونية والإجراءات لتحويله لنظام التسجيل بالترخيص وليس الإخطار. كما يحصر نشاط الجمعيات فيما يتوافق وخطط الدولة للتنمية، ويفرض قيود على تلقي التبرعات من داخل الدولة، وإذا زاد التبرع عن 10000 جنيه مصري وجب على الجمعية أخذ موافقة مسبقة، فضلاً عن إلزام الجمعية بالحصول على موافقة مسبقة على أية أموال من خارج حدودها. هذا بالإضافة إلى استحداث جهاز يضم كافة الأجهزة الأمنية من مخابرات عامة ووزارة الدفاع والداخلية وممثلين عن وزارات أخرى للموافقة على طلبات الحصول على تمويل خارجي لمشروعات أي جمعية، واعتبر القانون عدم رد الجهاز على طلبات التمويل بمثابة رفض للطلب. كما يختص الجهاز بكل ما يتعلق بتواصل الجمعيات مع جهات أجنبية، فلا تحصل الجمعية على الصفة الاستشارية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة إلا بموافقة هذا الجهاز. كما فرض القانون قيودًا واسعة على تسجيل وعمل المنظمات الدولية. وفرض عقوبات تصل للحبس 5سنوات وغرامات تصل لمليون جنية على أفعال لا تشكل جريمة في حد ذاتها، كأن تجري الجمعية استطلاع رأي دون الحصول على موافقة، أو أن تمارس جهة أو كيان نشاط يدخل في عمل الجمعيات دون التسجيل كجمعية أهلية.

55- شهدت الأحزاب السياسة أيضًا محاصرة وتهديد لنشاطها. فبخلاف القيود المفروضة على تسجيلها الذي يستلزم قانونًا حصول الحزب على توكيلات خمسة آلاف شخص من 10 محافظات على الأقل بحد أدنى 300 توكيلاً في المحافظة الواحدة، بما يمثل قيدًا على الأحزاب الصغيرة والجديدة، لجأت الدولة لقمع الأحزاب والجماعات السياسية القائمة بالفعل. فبالتزامن مع الانتخابات الرئاسية يناير 2018، شنت الدولة سلسلة من الهجمات على الأحزاب السياسية وقياداتها. فألقت القبض في 14 فبراير 2018 على عبد المنعم أبو الفتوح رئيس حزب مصر القوية (المرخص) بدعوى انضمامه لجماعة إرهابية، وفي 9 فبراير 2018 قررت حبس نائبه محمد القصاص بدعوى الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون، ونشر أخبار كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد، وفي 20 فبراير قضت محكمة أخرى بوضع اسمه على قوائم الإرهاب والتحفظ على أمواله.[12] كما حاصرت الدولة نشاط الحركة المدنية الديمقراطية[13] خاصة بعد مؤتمر صحفي أعلنت فيه احتجاجها على قمع الرئيس السيسي لمنافسيه في الانتخابات الرئاسية. وقدم عدد من المحامين المعروفين بتبعيتهم للدولة بلاغات ترهيب ضد أعضاء الحركة بتهمة الإخلال بالأمن القومي، وحاليًا تحقق النيابة العامة مع وكلاء تأسيس حزب العيش والحرية (حزب تحت التأسيس) بتهمة إنشاء وتأسيس حزب غير مشروع بالمخالفة للقانون. وبشكل عام خلال السنوات الماضية تم حبس العديد من القيادات الوسطى بالأحزاب السياسية، خاصة في الحملة التي استهدفت نشطاء الأحزاب المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، المعروفة باتفاقية تيران وصنافير.[14]

56- ركزت التوصيات الموجهة لمصر في هذا الصدد على وقف وصم المدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، وضمان بيئة عمل مواتية لهم. كما أوصت البرازيل بتبني استراتيجية وطنية لمناهضة العنف ضد النساء بما فيه العنف ضد المدافعات عن حقوق الإنسان، واتخاذ جميع الآليات لحمايتهن من الهجوم والتهديد.

57- خلال سنوات التقرير كثفت الدولة هجمتها على المنظمات الحقوقية والمدافعين والمدافعات، واستأنفت التحقيقات في القضية 173 لسنة 2011 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية، وعلى إثرها تم منع 31 حقوقيًا من السفر بعضهم ممنوع منذ ديسمبر 2014، فضلاً عن شل نشاط المنظمات الحقوقية بمنع 10 مدافعين من التصرف في أموالهم، وتجميد حسابات7 منظمات حقوقية. كما تم استدعاء أكثر من 37 حقوقيًا للتحقيق على خلفية هذه القضية.

58- في فبراير 2016 داهمت قوة من وزارة الداخلية مقر عيادة مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، بحجة أن العيادة تباشر عمل الجمعيات الأهلية وتصدر تقارير عن التعذيب بهدف تشويه سمعة مصر. وبسبب تصدي مدافعات النديم للقوة المكلفة بتشميع العيادة، تعثرت مهمتها. وبعد أقل من عام توجهت القوة مرة أخرى للمقر وأغلقته بالشمع الأحمر، رغم أن أيًا من القوانين المصرية وخصوصاً تلك التي تنظم عمل العيادات الطبية لا يمنعها من إصدار تقارير أو أبحاث أو حتى بيانات. طعن مؤسسو النديم على قرار الغلق أمام القضاء، وتعمدت الدولة إطالة إجراءات التقاضي، ولم يبت القضاء في القرار بعد بينما لازالت العيادة مغلقة. وفي نوفمبر 2018 أيضًا ألقت قوات الأمن القبض على 31 عاملاً على الأقل بالتنسيقية المصرية للحقوق والحريات، مما أدى لتوقف عملها.

59- تكررت الإشارة لمصر في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة 2014 و2017 و2018 فيما يتعلق بالانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب تواصلهم مع هيئات الأمم المتحدة وأجهزتها. وألقت السلطات المصرية القبض على إبراهيم متولي منسق رابطة أهالي المختفيين قسريًا قبيل سفره لجنيف لحضور اجتماع لمجموعة العمل الأممية المعنية بالاختفاء القسري. واتهم لاحقًا بتأسيس جماعة غير شرعية والتواصل مع جهات أجنبية بهدف الإضرار بالدولة. كما وجهت سلطات التحقيق -وفقًا لتحريات للأمن الوطني- اتهامات لعدد من الحقوقيين بسبب تواصلهم مع الأمم المتحدة وآلياتها خلال التحقيق بالقضية 173/2011، وتلقي أموال من جهات أجنبية بغرض الإخلال بالأمن القومي للبلاد، وذلك بعد مشاركتهم في تقرير الاستعراض الشامل لمصر هذا الاتهام وفقًا للمادة 78 من قانون العقوبات قد يزج بالمدافعين إلى السجن لمدد تزيد عن 25 عاماً في بعض الحالات.

60- في ديسمبر 2017 قضت محكمة الإسكندرية بحبس المدافعة عن حقوق الإنسان ماهينور المصري لمدة عامين بسبب مشاركتها في مظاهرة سلمية، وكانت ماهينور قد قضت بالفعل فترة طويلة من العقوبة في الحبس الاحتياطي، قبل إخلاء سبيلها لاحقاً. وفي يوليو 2018 سحبت سلطات مطار القاهرة جواز سفر ماهينور، وطلبوا منها استلامه من مقر أمن الدولة بالإسكندرية. وبعدما أصدرت ماهينور جواز سفر أخر، وأثناء عودتها من رحلة للخارج في أكتوبر، سحبت سلطات المطار جوازها مرة أخرى وطلبوا منها التوجه لمقر الأمن الوطني بالإسكندرية لاستلامه.

61- في مايو 2018 تم القبض على المدافعة عن حقوق الإنسان أمل فتحي، زوجة المدافع الحقوقي محمد لطفي المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات، على خلفية بثها فيديو على صفحتها بموقع فيس بوك تدين تقاعس الدولة عن مواجهة التحرش الجنسي. وذلك بعدما تعرضت لتحرش جنسي من قبل فرد أمن بأحد البنوك المملوكة للدولة. وحكمت المحكمة بحبس أمل عامين، كما تم الزج بها في القضية 621 لسنة 2018 والمحبوس على ذمتها عدد من المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين، بتهمة نشر أخبار كاذبة.

حرية الرأي والتعبير واستقلال الإعلام


62- تلقت مصر عدد من التوصيات حول حرية الرأي والتعبير، منها توصية فرنسا باحترام حرية الرأي والتعبير ولا سيما حماية الصحفيين، وألمانيا بتنقيح قانون العقوبات بما يضمن حرية الرأي والتعبير وحماية الصحفيين. ولوكسمبرج باتخاذ جميع التدابير التي من شأنها توفير الحماية للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. إلا أن السنوات الأربعة شهدت هجوم متنوع على وسائل الإعلام والقائمين عليها، وشبة تأميم أغلب وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة فضلاً عن وكالات الإعلان، واعتداءات متفرقة على الصحفيين والزج ببعضهم في السجون لفترات مختلفة بسبب عملهم، إضافة لهجوم تشريعي بهدف السيطرة الكاملة على ما يتم نشره أو بثه.

63- خلال عامي 2016 و2017 تم تأميم شبة كامل لوسائل الإعلام بطريقة مغايرة عن تلك المتبعة مطلع ستينيات القرن الماضي، إذ لجأت الدولة المصرية لأليات السوق للسيطرة على الإعلام. وفي عامين شهدت الساحة الإعلامية عمليات انتقال ملكية واسعة لوسائل الإعلام المختلفة خاصة المرئية. ووفقًا لتقارير صحفية موثقة فإن أجهزة أمنية كانت وراء تلك العمليات، بضخ مليارات الجنيهات لشراء وتأسيس كيانات إعلامية ضخمة -كواجهة لتلك الأجهزة- تشتري القنوات والصحف الخاصة، أو نسبة حاكمة من أسهمها، تمكنها من السيطرة الكاملة على المحتوى. ورغم أن قانون المجلس الأعلى للإعلام يخول للمجلس اتخاذ اجراءات تضمن حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية لوسائل الإعلام، إلا أنه لم يتخذ أية اجراءات أو حتى تشكيل لجنة تحقيق وتقصي حقائق حول تلك الممارسات.

64- في مايو 2017 وإحكامًا للسيطرة ورغبة في حجب الآراء المستقلة أو المعارضة، قررت جهة رسمية غير معلومة حجب عدد من المواقع الإليكترونية، بما في ذلك مواقع تمكن المستخدمين من تجاوز عمليات الحجب، فضلاً عن حجب عدد من الخوادم التي يستخدمها مزودي خدمات الVPN، حتى تجاوز عدد المواقع المحجوبة أكثر من 500 موقعًا. يأتي هذا بينما أخلى القضاء الإداري مسئوليته عن هذا الحجب في القضايا المرفوعة أمامه من بعض المواقع المحجوبة مختصمة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، مؤكداً عدم معرفته بجهة الحجب.

65- تعرض الصحفيون أيضًا لأشكال مختلفة من الانتهاكات، وصلت للحكم بحبس نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش، والصحفيين جمال عبد الرحيم وخالد البلشي، سنة مع إيقاف التنفيذ في قضية اقتحام الأمن لمقر النقابة، بزعم "إيواء مطلوبين أمنيًا" بمبناها. وتكرر منع صحفيين من دخول الأراضي المصرية، واحتجاز أخرين بالمطار والقبض عليهم، فضلاً عن ترحيل المراسلين الأجانب، ومنهم المراسل السابق لصحيفة النيويورك تايمز "ديفيد كيركباتريك" في فبراير وفي نوفمبر 2018منعت سلطات أمن مطار القاهرة أيضًا وفد الإعلاميين العراقيين المشارك في مونديال القاهرة للإعلام من دخول البلاد وقررت ترحيلهم. كما منعت في 25 مايو 2018 الصحفية الأجنبية "نيني أوبيني" من دخول الأراضي المصرية بعد احتجازها والتحقيق معها في المطار حول أسباب زيارتها لمصر وبعض مقالاتها خلال فترات عملها السابقة بمصر. كذلك أجبرت السلطات المصرية في فبراير 2018 صحفية التايمز البريطانية "بل ترو" على مغادرة البلاد بعد احتجازها ساعات بأحد أقسام الشرطة.

66- في أبريل2018 اقتحمت قوة أمنية مقر موقع مصر العربية (المحجوب منذ مايو 2017) وألقت القبض على رئيس تحريره عادل صبري، الذي لايزال قيد الحبس الاحتياطي على ذمة قضية ملفقة، بتهمة الانضمام لجماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة. وفي 11 سبتمبر 2018 تحفظت الدولة على جريدة المصريون وموقعها الإلكتروني. وفي 24 سبتمبر 2018 داهمت قوة من الشرطة مقر الجريدة وتحفظت عليه ومحتوياته، وسلمت إدارته لمؤسسة أخبار اليوم.

67- كانت قرارات حظر النشر في عدد مهم من القضايا التي تشغل الرأي العام والتي من شأنها فتح نقاشات مهمة حول الفساد والتداول السلمي للسلطة، والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان أداة فعالة في يد السلطة لحجب المعرفة وغلق النقاش. ومن أبرز القضايا التي تم حظر النشر فيها قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية في 2016، كما صدر قرار بحظر النشر من المدعي العام العسكري في قضية رئيس أركان الجيش الأسبق والمنافس في الانتخابات الرئاسية 2018 الفريق سامي عنان.

68- ساهم المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في قمع الإعلام والرقابة عليه منذ تشكيله في 2018؛ حيث تنوعت قرارات المجلس بين وقف برامج ومذيعين، وإحالة صحفيين ومذيعين للتحقيق بنقابتهم، كما أصدر المجلس قرار بمنع ظهور المثليين أو ترويج شعاراتهم باعتباره مرض، باستثناء الظهور من أجل التعبير عن التوبة.

69- كانت للقنوات والصحف الأجنبية الموجودة في مصر نصيب من هذه الانتهاكات، فقد أصدرت الهيئة العامة للاستعلامات خلال الربع الأول من2018، عدد من البيانات تنتقد وسائل إعلام أجنبية وتتهمها بتعمد نشر معلومات مغلوطة وارتكاب أخطاء مهنية في تغطياتها للشأن المصري. ففي7 يناير 2018 صدر بيان بهذا المعنى ضد صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، على خلفية قضية نقل السفارة الأمريكية للقدس، ثم بيان ضد هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 24 فبراير 2018، تضمن انتقادات لتقرير نشرته يضم مقابلات مع بعض ضحايا التعذيب والاختفاء القسري وذويهم، وغالباً ما يتم بعد ذلك تهديد الصحفيين والمراسلين الأجانب وإجبارهم على الرحيل أو الحبس. كما تستغل الهيئة العامة للاستعلامات سلطتها في منح التراخيص للمراسلين في ابتزازهم ومعاقبتهم سواء بالتأخر في منح التراخيص أو منحها لمدد قصيرة لضمان التحكم فيهم.

70- خلال السنوات الماضية أصدر البرلمان قوانين من شأنها فرض رقابة مسبقة على المحتوى الإعلامي وما يتم بثه ونشره في وسائل الإعلام، مثل القانون 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الإعلام، والذي جاء ليكرس سلطة المجلس الأعلى للإعلام في فرض رقابة واضحة على المحتوى، ومنحه سلطات واسعة في إصدار تراخيص للمواقع الإليكترونية وحجبها، فضلاً عن سلطات واسعة في حجب حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الشخصية التي يتعدى متابعيها 5000 متابعًا. هذا بالإضافة إلى القانون 175 لسنة 2018 بشأن الجريمة الإليكترونية الذي يستهدف إحكام السيطرة الكاملة على الانترنت وتقنين حجب الدولة للمواقع. فوفقًا لمادته الـ7 يمكن حجب المواقع الإليكترونية في حالة نشر أي محتوى يُعد جريمة من الجرائم المنصوص عليها بالقانون، أو تشكل تهديدًا للأمن القومي أو تعرض أمن البلاد أو اقتصادها القومي للخطر، وهي ألفاظ فضفاضة غير محددة. ويتم حجب الموقع في هذه الحالة سواء كان يُبث من داخل مصر أو خارجها. كما يمنح القانون جهات التحقيق وجهات التحري والضبط (جهاز الشرطة) صلاحية حجب المواقع مباشرة، بينما جعل الرقابة القضائية على هذه القرارات رقابة لاحقة. وفي 15 أغسطس 2015 أصدر رئيس الجمهورية قانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015، الذي يُعاقب في مادته (35) على نشر أو إذاعة بيانات عن أعمال إرهابية تُخالِف البيانات الرسمية بغرامة تصل لنصف مليون جنية فضلًا عن عقوبة مُكمِّلة بالمنع من مزاولة المهنة لمدة قد تصل لعام كامل.

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية


71- نص الدستور المصري على كفالة الحق في السكن الملائم والآمن والصحي، وألزم الدولة بوضع خطة للإسكان تكفل تضمين المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، إلا أن ممارسات الدولة حولت النص الدستوري لحبر على ورق. إذ تتسم خطط إسكان الدولة بالعشوائية والمركزية ولا تراع الأهالي أو المبادرات الذاتية، ولا يوجد سبيل للاعتراض أو الشكوى منها. وقد كشفت زيارة المقررة الخاصة بالحق في السكن لمصر عن الكثير من انتهاكات الدولة للحق في السكن، بالإضافة لتعقب المدافعين عن حقوق السكن المتعاونين معها، وإخلاء منطقتين على الأقل قسريًا من سكانهم بعد مقابلتهم المقررة الخاصة.

72- قررت الدولة إخلاء عدد من المناطق دون تعويض عادل-وأحيانًا دون أي تعويض-لسكانها. فمثلاً أصدرت محافظة القاهرة قرارا بإزالة منطقة تل العقارب بحي السيدة زينب جنوب القاهرة، وهي منطقة سكنية قديمة تشكل خطورة من الدرجة الثانية يسكنها 4000 نسمة بمعدل 530 أسرة وتضم 230 منزلاً سكنيًا. وفي 8 فبراير 2016 بدأت أجهزة المحافظة في إزالة عقارات المنطقة، وإخلاء سكانها بالقوة بعد قطع المياه والكهرباء لإجبار الأهالي على الخروج من المنطقة، ومحاصرتها بقوات الأمن المركزي. ولم تعتمد المحافظة في أعمال الحصر الخاصة بالمنطقة على الأوراق الرسمية المثبتة للملكية، وإنما اعتمدت على روايات الأهالي بأحقية ملكية الأفراد لمنازلهم، فرفض بعض الأهالي ترك المنازل بعدما وجدوا أنفسهم خارج قوائم الحصر، وبالتالي حرمانهم من أي تعويض، وقد تم إخراجهم بالقوة.

73- قبل عامين من هذه الواقعة، تم تهجير أهالي سيناء من منازلهم. ففي 24 أكتوبر2014 نفذ مسلحون هجومًا على كمين للقوات المسلحة بـ "كرم القواديس" غرب مدينة الشيخ زويد شمال سيناء، راح ضحيته 30 مجندًا بالجيش، ليعقبه اجتماع للرئيس مع مجلس الدفاع الوطني وإقرار إقامة منطقة عازلة بين الحدود المصرية ومدينة غزة الفلسطينية، لتبدأ بعدها عمليات الإخلاء القسري لأهالي تلك المنطقة، دون أي تفاوض ومشاركة مجتمعية في القرار، أو تعويض عادل للأهالي ماليًا أو توفير مساكن بديلة لهم.

74- في الفترة بين يوليو 2014 وأغسطس 2015 تم هدم نحو 3222 منزلاً في شبه جزيرة سيناء، ما ترتب عليه تهجير سكانها لمناطق أخرى، ومازال عدد المباني المتهدمة في تزايد وصل لنحو 5000 منزلاً. يخرج السكان المهجرين من منازلهم بعد قصفها لنقاط أخرى من مدينة الشيخ زويد، أو لمدينة العريش حي المساعيد، وقرية السبيل، ومنطقة زارع، والميدان غرب العريش، حيث يتخذون من العشش الخوص بيوتًا لهم.

75- صباح 16 يوليو 2017، توجهت قوات أمنية لجزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، والتي تبلغ مساحتها نحو 1850 فدانًا تقريبًا، لإزالة مباني الجزيرة وطرد الأهالي منها دون سابق إنذار. سبق ذلك في 7 يونية، كلمة للرئيس بأن: "في جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقاً للقانون المفروض ما يبقاش حد موجود عليها، يا إما محميات يا إما مش مسموح لحد يكون موجود عليها، الاقي مثلا جزيرة موجودة ف وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدانًا، انا مش هذكر اسمها، وبدأت العشوائيات تبقي جواها وناس تبني ووضع يد ويبني عليها." وقد رفض أهالي الجزيرة ترك منازلهم وتجمهروا في شوارعها، الأمر الذي واجهته قوات الأمن المكلفة بالإخلاء بالقوة والرصاص الحي، مما أدي لسقوط قتيل، ومازالت قوات الأمن حتى الآن تفرض الحصار الأمني على الجزيرة، وتعرقل الدخول والخروج منها.

76- يعتبر الحق في الإضراب أحد مكاسب العمال المنتزعة بنضالهم لضمان حقوقهم في قواعد عمل عادلة ومنصفة، ورغم تأكيد الدستور لهذا الحق، إلا أنه منذ 2013 تصاعدت بشكل واسع الاعتداءات عليه، وتم اعتقال كثير من العمال على خلفية إضرابات واعتصامات سلمية. في مايو 2016 اعتقلت قوات الأمن 13 من عمال الترسانة البحرية بالإسكندرية، على خلفية اعتصامهم بمقر الشركة، وقد تمت مساومتهم بين استمرار الحبس أو الاستقالة. وفي ٢٤ سبتمبر2016، تم اعتقال ٦ من عمال هيئة النقل العام، والتحقيق معهم بمعرفة نيابة أمن الدولة العليا على خلفية الإعداد لإضراب عن العمل. وفي فبراير ٢٠١٧ فضت قوات الأمن اعتصام عمال مصنع أسمنت أسوان على خلفية مقتل ٢ من العمال وإصابة آخرين بسبب غياب الأمن الصناعي وضمانات السلامة والصحة المهنية، واعتقلت 10 من عمال المصنع. وفي يوليو ٢٠١٨ تم اعتقال ٦ من عمال شركة بسكو مصر بتهمة تنظيم مظاهرة بدون ترخيص، فضلاً عن تغيير الوضع الوظيفي لـ ١٥٠٠ عاملاً وتحويلهم لعمالة مؤقتة، وفصل عشرات آخرين.

أوضاع حقوق الإنسان للأقليات العرقية والدينية


71- نص الدستور المصري على كفالة الحق في السكن الملائم والآمن والصحي، وألزم الدولة بوضع خطة للإسكان تكفل تضمين المبادرات الذاتية والتعاونية في تنفيذها، إلا أن ممارسات الدولة حولت النص الدستوري لحبر على ورق. إذ تتسم خطط إسكان الدولة بالعشوائية والمركزية ولا تراع الأهالي أو المبادرات الذاتية، ولا يوجد سبيل للاعتراض أو الشكوى منها. وقد كشفت زيارة المقررة الخاصة بالحق في السكن لمصر عن الكثير من انتهاكات الدولة للحق في السكن، بالإضافة لتعقب المدافعين عن حقوق السكن المتعاونين معها، وإخلاء منطقتين على الأقل قسريًا من سكانهم بعد مقابلتهم المقررة الخاصة.

72- قررت الدولة إخلاء عدد من المناطق دون تعويض عادل-وأحيانًا دون أي تعويض-لسكانها. فمثلاً أصدرت محافظة القاهرة قرارا بإزالة منطقة تل العقارب بحي السيدة زينب جنوب القاهرة، وهي منطقة سكنية قديمة تشكل خطورة من الدرجة الثانية يسكنها 4000 نسمة بمعدل 530 أسرة وتضم 230 منزلاً سكنيًا. وفي 8 فبراير 2016 بدأت أجهزة المحافظة في إزالة عقارات المنطقة، وإخلاء سكانها بالقوة بعد قطع المياه والكهرباء لإجبار الأهالي على الخروج من المنطقة، ومحاصرتها بقوات الأمن المركزي. ولم تعتمد المحافظة في أعمال الحصر الخاصة بالمنطقة على الأوراق الرسمية المثبتة للملكية، وإنما اعتمدت على روايات الأهالي بأحقية ملكية الأفراد لمنازلهم، فرفض بعض الأهالي ترك المنازل بعدما وجدوا أنفسهم خارج قوائم الحصر، وبالتالي حرمانهم من أي تعويض، وقد تم إخراجهم بالقوة.

73- قبل عامين من هذه الواقعة، تم تهجير أهالي سيناء من منازلهم. ففي 24 أكتوبر2014 نفذ مسلحون هجومًا على كمين للقوات المسلحة بـ "كرم القواديس" غرب مدينة الشيخ زويد شمال سيناء، راح ضحيته 30 مجندًا بالجيش، ليعقبه اجتماع للرئيس مع مجلس الدفاع الوطني وإقرار إقامة منطقة عازلة بين الحدود المصرية ومدينة غزة الفلسطينية، لتبدأ بعدها عمليات الإخلاء القسري لأهالي تلك المنطقة، دون أي تفاوض ومشاركة مجتمعية في القرار، أو تعويض عادل للأهالي ماليًا أو توفير مساكن بديلة لهم.

74- في الفترة بين يوليو 2014 وأغسطس 2015 تم هدم نحو 3222 منزلاً في شبه جزيرة سيناء، ما ترتب عليه تهجير سكانها لمناطق أخرى، ومازال عدد المباني المتهدمة في تزايد وصل لنحو 5000 منزلاً. يخرج السكان المهجرين من منازلهم بعد قصفها لنقاط أخرى من مدينة الشيخ زويد، أو لمدينة العريش حي المساعيد، وقرية السبيل، ومنطقة زارع، والميدان غرب العريش، حيث يتخذون من العشش الخوص بيوتًا لهم.

75- صباح 16 يوليو 2017، توجهت قوات أمنية لجزيرة الوراق بمحافظة الجيزة، والتي تبلغ مساحتها نحو 1850 فدانًا تقريبًا، لإزالة مباني الجزيرة وطرد الأهالي منها دون سابق إنذار. سبق ذلك في 7 يونية، كلمة للرئيس بأن: "في جزر موجودة في النيل هذه الجزر طبقاً للقانون المفروض ما يبقاش حد موجود عليها، يا إما محميات يا إما مش مسموح لحد يكون موجود عليها، الاقي مثلا جزيرة موجودة ف وسط النيل مساحتها أكتر من 1250 فدانًا، انا مش هذكر اسمها، وبدأت العشوائيات تبقي جواها وناس تبني ووضع يد ويبني عليها." وقد رفض أهالي الجزيرة ترك منازلهم وتجمهروا في شوارعها، الأمر الذي واجهته قوات الأمن المكلفة بالإخلاء بالقوة والرصاص الحي، مما أدي لسقوط قتيل، ومازالت قوات الأمن حتى الآن تفرض الحصار الأمني على الجزيرة، وتعرقل الدخول والخروج منها.

76- يعتبر الحق في الإضراب أحد مكاسب العمال المنتزعة بنضالهم لضمان حقوقهم في قواعد عمل عادلة ومنصفة، ورغم تأكيد الدستور لهذا الحق، إلا أنه منذ 2013 تصاعدت بشكل واسع الاعتداءات عليه، وتم اعتقال كثير من العمال على خلفية إضرابات واعتصامات سلمية. في مايو 2016 اعتقلت قوات الأمن 13 من عمال الترسانة البحرية بالإسكندرية، على خلفية اعتصامهم بمقر الشركة، وقد تمت مساومتهم بين استمرار الحبس أو الاستقالة. وفي ٢٤ سبتمبر2016، تم اعتقال ٦ من عمال هيئة النقل العام، والتحقيق معهم بمعرفة نيابة أمن الدولة العليا على خلفية الإعداد لإضراب عن العمل. وفي فبراير ٢٠١٧ فضت قوات الأمن اعتصام عمال مصنع أسمنت أسوان على خلفية مقتل ٢ من العمال وإصابة آخرين بسبب غياب الأمن الصناعي وضمانات السلامة والصحة المهنية، واعتقلت 10 من عمال المصنع. وفي يوليو ٢٠١٨ تم اعتقال ٦ من عمال شركة بسكو مصر بتهمة تنظيم مظاهرة بدون ترخيص، فضلاً عن تغيير الوضع الوظيفي لـ ١٥٠٠ عاملاً وتحويلهم لعمالة مؤقتة، وفصل عشرات آخرين.

التمييز والعنف ضد النساء


84- رغم ادعاء الدولة احترام حقوق النساء وتسمية عام 2017 بعام المرأة، إلا أن الدولة المصرية مازالت تتقاعس عن تمكين النساء وحمايتهن من العنف المجتمعي وانتهاكات التحرش الجنسي اليومية في الشوارع، فضلاً عن تجاهل البرلمان- الذي تسيطر عليه الدولة بشكل شبة كامل- لتشريعات عديدة تقنن التمييز ضد النساء.

85- في المراجعة الدورية لمصر 2014 قبلت جزئيًا التوصيات الخاصة برفع التحفظ على المادتين 2، 16 من اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، كما قبلت جزئيًا التوصيات الخاصة بالتوقيع على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وحتى الآن لم تتحرك ساكنة، مما يعكس غياب أي نية لذلك. كما تلقت مصر توصيات بتفعيل أحكام دستور 2014 الخاصة بالمساواة بين المرأة والرجل، وأخرى بتعديل القوانين التي تكرس العنف والتمييز ضد المرأة، فضلاً عن توصيات بسن قانون بتجريم العنف ضد النساء داخل الأسرة. ورغم قبول مصر تلك التوصيات إلا أنها لم تفعل، رغم تقديم منظمات نسوية لمشروعات قوانين في هذا الصدد.

86- يعترف قانون الإجراءات الجنائية بشهادة المرأة كشخص كامل في المواد والقضايا الجنائية، بينما يعتبر قانون الأحوال الشخصية شهادة المرأة كنصف شهادة. وهذا النوع من الشهادة معمول به في عقود الزواج أو الطلاق، وأمام محاكم الأسرة وفي دوائر الأحوال الشخصية.

87- تتيح المادة 60 من قانون العقوبات إفلات الزوج من العقاب حال ضرب زوجته، إذ تستثن الأفعال التي ترتكب "بنية سليمة" عملاً بحق مقرر في الشريعة الإسلامية، وتستخدم تلك المادة في تبرئة الأزواج من جرائم ضرب زوجاتهم تحت مسمى "تأديب" الزوجة المقرر في الشريعة. فإذا ضرب رجل زوجته – وحتى ولو كان ضربًا مبرحًا أسفر عن عاهة مستديمة- قد يرفض قسم الشرطة تحرير محضر بالواقعة، وإذ أحيلت الواقعة للمحكمة قد يتم تبرئة الزوج على أساس أن التأديب هو أحد الحقوق المقررة بمقتضى الشريعة الإسلامية.

88- يمكن للرجل فقط تطليق زوجته في أي وقت ولأي سبب، بل ويمكنه توكيل غيره في ذلك، بينما لا يحق للمرأة الطلاق إلا لأسباب محددة وبموجب حكم قضائي، مثل المرض العقلي أو الجنسي للرجل أو ممارسته سلوك ضار، أو في حالة تقاعس الرجل عن الإنفاق والدعم المالي، أو في حالة غياب الزوج أو حبسه. ولا يمكن القول إن قانون الخلع رقم 1 لسنة 2000، مساوي للطلاق الذي يعتبر حق مطلق للرجل. فالخلع يشترط تنازل المرأة عن كافة حقوقها المالية، ورد ما حصلت عليه من الزوج من مهر وهدايا. ورغم أن القانون يكفل حق المرأة في طلب الخلع دون إبداء أسباب، إلا أن المنظمات المشاركة في التقرير رصدت حالات عديدة اضطرت فيها المرأة لإبداء أسبابها للخلع، وإثباتها في محاضر الجلسات. كما تفقد المرأة المطلقة حقها في حضانة أطفالها إذا تزوجت مرة أخرى، بينما لا تسقط حضانة الرجل للأطفال إذا تزوج بعد الطلاق.

89- رغم سن قوانين عقابية خاصة بتزويج الفتيات دون السن القانوني، وأخرى ضد ختان الإناث، إلا أن تلك الظواهر لم تشهد معالجة حقيقية، خاصة لارتباطها بعادات وتقاليد قديمة يلزم لمواجهتها حملات مكثفة في القري والطبقات الأضعف اجتماعيًا.

الانتهاكات ضد الأطفال


90- تلقت مصر العديد من التوصيات المتعلقة بحقوق الطفل، تتمحور حول إنهاء الزواج المبكر للفتيات، ووقف عقوبة الإعدام بحق الأطفال دون 18 سنة، وتدريب رجال الشرطة حول حقوق الطفل لضمان حسن معاملتهم. إلا أنه في خلال فترة التقرير تعرض الأطفال لانتهاكات إضافية على تلك الواردة بالتوصيات، وخاصة الانتهاكات التي يتعرض لها البالغين من تعذيب واختفاء قسري وقبض وحبس في قضايا سياسية.

91- رصدت منظمات التقرير القبض على 247 طفلاً في قضايا ذات طبيعة سياسية، منهم 130 طفلاً على الأقل رهن الحبس الاحتياطي، كإجراء أول دون اللجوء لتدابير بديلة، فضلاً عن حبسهم مع البالغين في معظم أقسام الشرطة، ودون رقابة. وبحسب والدة أحد الأطفال، يعاني أبنها من شجار مع الجنائيين بسبب دخان السجائر، وذلك رغم أن المادة 112 من قانون الطفل تقر عقوبة على أي موظف عام يحتجز طفل مع بالغ، إلا أن هذه العقوبة معطلة بحجة عدم وجود مكان كافي لتخصيصه لاحتجاز الأطفال داخل كل قسم.

92- وفقًا للمنظمات المشاركة تعرض ما لا يقل 198 طفلاً للاختفاء القسري في الفترة من يونيو 2013 لـ ديسمبر 2018، أغلبهم ظهروا فيما بعد محتجزين على ذمة قضايا سياسية. وتشعر المنظمات بقلق بالغ على بعض الأطفال الذي لم يكشف عن مكانهم بعد، مثل الطفل الحسيني جلال المختفي من الجيزة في مايو 2016 والطفل إبراهيم محمد شاهين المختفي منذ 25 يوليو 2018 من العريش.

93- يتعرض الأطفال المحتجزون خلال فترة الاختفاء القسري لأشكال مختلفة من التعذيب والمعاملة القاسية، حيث رصدت المنظمات 71 حالة تعذيب على الأقل لأطفال بينهم 3 حالات باعتداءات جنسية. ففي حالة الطفل السيناوي عبد الله بومدين (12 سنة) تم القبض عليه من منزله بالعريش، وتعرض للاختفاء القسري لفترة قبل ظهوره أمام جهات التحقيق متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية والمساعدة في زرع مفرقعات، واحتجازه لما يقرب من 100 يومًا بشكل انفرادي تعرض خلالها للتعذيب. وبحسب شقيقة أحد الأطفال المقبوض عليهم، أن أخاها تعرض للتعذيب لنزع الاعترافات منه بمقر جهاز الأمن الوطني، حيث أحتجز لمدة 3 أشهر من سبتمبر لـ ديسمبر

الحقوق والحريات الجنسية


94- استقبلت مصر في الدورة الماضية 4 توصيات شديدة العمومية بشأن المساواة وعدم التمييز اكتفت فيها بالرد بالعلم فقط. جاءت التوصيات بإلغاء عقوبات السجن بسبب الاختلافات العرقية والدينية والتوجه الجنسي، وتطبيق التشريعات الوطنية دون تمييز، وتمتع جميع الأفراد بالحقوق المنصوص عليها بالعهد الدولي دون تمييز، وتوصية واحدة لمراجعة القوانين الوطنية كتلك التي تجرم اعتياد الفجور. ومن حيث الممارسة لم تغير الدولة موقفها العدائي تجاه مجتمع الميم،[15] بل طاردت أفراده تارة بالقانون وأخرى بالتخلي عن مسئوليتها في حمايتهم من العنف المجتمعي، فضلاً عن حملات التحريض ضدهم في وسائل الإعلام المملوكة من الباطن للأجهزة الأمنية. وبحسب تقرير الخبير المستقل بشأن الحماية ضد العنف والتمييز على أساس الميول الجنسية والنوع الاجتماعي بالأمم المتحدة، يتعرض أفراد مجتمع الميم في مصر لانتهاكات خطيرة بسبب ميولهم الجنسية الحقيقية أو المتصورة. وبحسب المنظمات شهدت السنوات الاربعة الماضية هجوم حاد غير مسبوق على مجتمع الميم، برعاية الدولة.

95- تجرم الدولة العلاقات المثلية بالتراضي، رغم عدم وجود نص قانوني صريح ينص على تجريم المثلية الجنسية. ومنذ أواخر التسعينات بدأت المحاكم في استخدام قانون مكافحة الدعارة 10 لسنة 1961وخصوصًا المادة 9 المتعلقة بممارسة الفجور بند (ج)، كما وضعت المحكمة تعريف للفجور بأنه "ممارسة البغاء بين الذكور." وبناء عليه تستخدم الدولة هذه الاتهامات وغيرها للإيقاع بالمثليين جنسيًا، بما في ذلك تهمة الدعوة والإغراء بممارسة الفجور (مادة 14)، وتهمة "الحريض على الفجور" (المادة الأولى فقرة أ).

96- يتعرض المقبوض عليهم في هذه الجرائم لطيف واسع من الانتهاكات سواء من قبل أفراد الشرطة أو من جهات التحقيق، منها تعرضهم للاعتداء بالضرب والتعذيب واعتداءات جنسية في مقار الاحتجاز الرسمية دون تدخل السلطات لحمايتهم. ولبناء القضية ضد المتهمين تحيل النيابة العامة المقبوض عليهم للطب الشرعي لإجراء فحوص شرجية بهدف الكشف ما إذا كان المتهمين مارسوا الجنس المثلي من عدمه. هذه النوعية من الفحوص اعتبرتها لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية نوع يقترب من التعذيب، ووصفته بأنه غير مبرر طبيًا ولا يمكن الموافقة عليه.

97- وفقًا لتوثيق المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، زاد عدد المقبوض عليهم والمحالين للمحاكم بتهمة "اعتياد الفجور" منذ 2016 إلى خمس أضعاف في السنوات السابقة عليها. فحتى مارس 2017 وصل عدد المقبوض عليهم لـ232 بعد واقعة رفع علم قوس قزح في حفل موسيقي بالقاهرة سبتمبر 2017، إذ ألقت قوات الشرطة القبض على ما يقرب من57 شخصًا تم محاكمة أغلبهم أمام محاكم الجنح بتهم اعتياد الفجور، والتحريض عليه والإخلال بالآداب العامة، فيما أستمرت حملات إعلامية مسعورة ضدهم من القنوات والصحف العامة والخاصة.

98- في خضم واقعة علم قوس قزح، ناقش البرلمان مشروع قانون بتجريم المثلية الجنسية، يتضمن عقوبات تصل للحبس 3 سنوات على ممارسة علاقة جنسية مثلية في مكان عام أو خاص، والعقوبة نفسها على المحرضين على ممارسة تلك العلاقة أو الداعين لها، ولولا الضغط الدولي على الحكومة لناقش البرلمان مشروع القانون وأقره.

99- على صعيد أخر يواجه العابرون والعابرات جنسيًا في مصر مشكلات من نوع أخر، إذ يستلزم إجراء عمليات العبور الجنسي عرض الحالة على لجنة بنقابة الأطباء تضم 6 أطباء من تخصصات مختلفة وممثل من دار الإفتاء (هيئة دينية إسلامية)، للموافقة على العملية. وبسبب تضارب أراء الأطباء وممثل دار الإفتاء تعطل العمل بتلك اللجنة لمدة قاربت 3 سنوات بين 2014 و2017، وكان سبب الخلاف الرئيسي أن ممثل دار الإفتاء يرفض العديد من الطلبات التي يوافق عليها الأطباء. وبسبب بطء الإجراءات وتعقيداتها، وضرورة الموافقة المسبقة للجنة- والتي تأخرت في بعض الحالات لـ 6 سنوات- غالبا ما تنتهي هذه الرحلة بالفشل، وحتى بعد موافقة اللجنة يخوض العابر/ة معركة بيروقراطية أخرى من أجل تغيير الأوراق الرسمية والثبوتية، تتطلب أموال طائلة مما يجعلها من الناحية العملية غير متاحة للبعض.

هوامش


[1] تم تقديم هذا التقرير قبل سن القانون الجديد للجمعيات الأهلية رقم 149 لسنة 2019، والذي يعتبر امتداد لفلسفة القانون السابق رقم 70 لسنة 2017 المشار له في هذا التقرير.

[2] تم إعداد هذا التقرير قبل إقرار هذه التعديلات الدستورية عبر استفتاء "صوري" شابه العديد من الانتهاكات وتم في مناخ قمعي.

[3] أصبح هذا الرقم حاليًا حوالي 74 شخصًا في انتظار تنفيذ حكم الإعدام.

[4] في سبتمبر 2019 حصل القاضيان على حكم بالبراءة.

[5] "يمارس التعذيب رجال الشرطة والمسئولون العسكريون ومسئولو الأمن الوطني وحراس السجون. كما يسهل المدعون العموم والقضاة ومسئولو السجون ممارسات التعذيب بالاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة أو التقاعس عن اتخاذ إجراء بشأن شكاوى المحتجزين. ويفلت مرتكبو التعذيب غالبًا من العقاب، رغم أن القانون المصري يحظر التعذيب والممارسات المتصلة به، ويُنشئ آليات محاسبة. وفي نظر اللجنة أن كل ما تقدم ذكره يقود لاستنتاج لا مفر منه، أن التعذيب ممارسة منهجية في مصر." تقرير لجنة مناهضة التعذيب، الدورة 72، الملحق44، الفقرة 69، ص 21، الوثيقة A/72/44

[6] حول منع راجية عمران عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان من دخول سجن العقرب

[7] تم إعداد هذا التقرير قبل وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي في محبسه بثلاثة أشهر.

[8] تم الإفراج عنه بكفالة 10 ألاف جنية في مارس 2019.

[9] المصري اليوم، محافظ شمال سيناء: إخلاء 802 منزلاً من سكان الشريط الحدودي برفح، 29 أكتوبر2014.

[10] منظمة العفو الدولية، مصر: فيديو يظهر القنابل العنقودية يسلط الضوء على المخاوف بشأن حقوق الإنسان في شمال سيناء، فبراير 2018.

[11] فرانس 24، مصر: ارتفاع حصيلة قتلى الهجوم على مسجد الروضة إلى 305 بينهم 27 طفلاً، 26 نوفمبر2017.

[12] التحفظ على أموال أبو الفتوح و15 أخرين لممارسة الأنشطة الإرهابية، جريدة الشروق نقلاً عن الجريدة الرسمية، 25 فبراير2018

[13] حركة مكونة من عدد من الأحزاب والجماعات السياسية والشخصيات العامة كجبهة معارضة لسياسات الرئيس السيسي.

[14] من بين أعضاء الأحزاب المقبوض عليهم: اندرو ناصف نصحي، طالب بكلية تجارة جامعة الزقازيق، قبض عليه من منزله فجر17 مايو2017، على خلفية اعتراضه على اتفاقية تيران وصنافير، بتهمة حيازة وترويج منشورات تحرض على مؤسسات الدولة وتعطيل الدستور واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لذات الأغراض الإرهابية. وفي 15 أكتوبر 2017 حكم عليه بالسجن المشدد 5 سنوات، وفي 16 مايو 2018، صدر القرار الجمهوري رقم 219 لسنة 2018، بالعفو عنه ضمن 331 آخرين. وشمل العفو أيضًا إسلام مرعي، امين التنظيم بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بمحافظة الشرقية، المقبوض عليه 15 يونيو 2017 والمتهم بالترويج لأفكار بها إسقاطات على مؤسسات الدولة، وتمويل جماعة إرهابية، بعد الحكم بحبسه 3 أعوام. هذا بالإضافة لجمال عبد الحكيم، الطالب بكلية التجارة جامعة الزقازيق، عضو مؤسس بحزب العيش والحرية، المقبوض عليه 12 مايو 2017 والمتهم بتأسيس جماعة على خلاف القانون والدعوة لقلب نظام الحكم واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتأليب المواطنين، في القضية 27899 لسنة 2017 جنايات مركز الزقازيق، والصادر على خلفيتها حكم بحبسه 5 سنوات في 22 نوفمبر2017.

[15] يضم مجتمع الميم ذوي الميول الجنسية المثلية، المزدوجة، والمتحولة، والمتسائلين عن ميولهم. ويشار إليهم باللغة العربيّة بمجتمع الميم، لأن جميع المفردات تبدأ بحرف الم

Share this Post