الوطني والإخوان يتمسكون بها وقيادات كنسية ترفضها: جدل ساخن حول استمرار النص علي مرجعية الشريعة الإسلامية في الدستور

In صالون بن رشد by CIHRS

عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في 28 يناير 2007، ندوة في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان: “هل يمكن تعزيز المواطنة في ظل نص المادة الثانية من الدستور علي إسلام الدولة ومرجعية الشريعة الإسلامية ؟”، وقد شارك في فعالياتها كل من: د.أحمد أبو بركة، أستاذ الاقتصاد السياسي وعضو مجلس الشعب عن كتلة الإخوان المسلمين، د. ثروت بدوي أسـتاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة، القس رفعت فكري بالكنيسة الإنجيلية، د. مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقـات الخارجـية بمجلس الشعب، الأستاذ ممدوح الشـيخ الكاتب والباحث الإسلامي، وقد أدار الندوة بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
استهل بهي الدين حسن الحديث بالإشارة إلي أن قضية المواطنة هي أحد العناوين الرئيسية التي ارتبط بها تقديم التعديلات الدستورية مؤخرًا، لافتا إلي أنه رغم ذلك فإن تلك التعديلات لم تشر من قريب أو بعيد إلى نص المادة الثانية من الدستور، والتي يدور حولها جدل عميق ربما منذ مايو 1980 حينما بادر السادات في إطار تدشينه ما أسماه “دولة العلم والإيمان” بإجراء تعديل بتلك المادة جعل من مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وأشار إلى أن المعلن من هذا الجدل أقل كثيرا مما يدور في المنتديات الخاصة والمغلقة، وأن هذا الجدل زادت حرارته مع طرح التعديلات الدستورية الأخيرة، خاصة مع وجود تصريحات متعارضة حول موقف الأقباط من استمرار العمل بهذه المادة.
وعرض القس رفعت فكري أسباب رفضه لاستمرار العمل بنص المادة الثانية من الدستور، وأكد أن استمرار العمل بهذه المادة يتنافي مع مبدأ المواطنة الكاملة ويكرس مفهوم الذمية(1) بما يؤدي إلى قرارات وممارسات مذلة لمن لا يدينون بدين الدولة معبرا عن مخاوفه من أن يتم تفعيل هذه المادة – في حالة وصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة – ضد الأقباط .
وقال فكري إن هذه المادة تتعارض مع الديمقراطية ومواثيق حقوق الإنسان العالمية وتفتح الباب أمام المزايدات الانتخابية من قبل جماعة الإخوان المسلمين، مطالبا بتحديد موقف الجميع من شكل الدولة في الفترة القادمة وهل هي دولة دينية أم مدنية؟
وخلص فكري إلي وضع نص بديل لهذه المادة، مقترحا أن يكون النص الجديد هو “العربية لغة الدولة الرسمية، والإسلام ديانة غالبية المواطنين، والمبادئ العامة للشريعة الإسلامية مصدر من المصادر الرئيسية للتشريع” بما لا يتناقض مع التزامات مصر طبقا لمواثيق حقوق الإنسان الدولية، أو يخل بحقوق مواطنة غير المسلمين، ويستلهم في ذات الوقت الشرائع السماوية كأحد مصادر التشريع. حيث يؤكد فكري على أن تمتع المواطن بكل الحقوق والحريات المدنية لا ينبغي أن يتوقف على المعتقدات الدينية. وقد أشار إلى غموض مبادئ الشريعة المشار إليها في المادة الثانية بالدستور، مطالبًا بتحديد هذه المبادئ وتوضيحها، كما أكد فكري على أن كافة أجهزة الدولة يجب أن تلتزم الحياد إزاء الأديان والمعتقدات، محذرا في نهاية حديثه من أن مصر ستتعرض لمخاطر كبيرة إذا لم يتم تعديل هذه المادة.
من ناحيته أكد الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب علي رفض غالبية الأقباط المساس بالمادة الثانية من الدستور، وكذلك رفضهم دعوة البعض لمنحهم ” كوتة ” برلمانية ، وقال أنه أجرى حوارات بهذا الشأن مع قيادات قبطية أجمعوا علي هذا الرفض، واصفا نفي الأنبا مرقص المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية لهذا الأمر بأنه يأتي من منطلق ديني كنسي يغيب عنه ما يدور بالساحة السياسية، وقال الفقي – الذي تولى لسنوات مهمة الاتصال بين الكنيسة والدولة – أن الكنيسة لا تعبر عن المسيحيين مثلما لا يعبر الأزهر عن المسلمين .
وأكد الفقي أن قيادات الأقباط الذين شاركوه الحوار كانوا من المرونة والوطنية بحيث أكدوا علي أن تعديل هذه المادة يفتح بابا لصراع لا يقبلونه، مشيرين إلى أنهم أبناء الحضارة العربية الإسلامية. وقد شدَّد الفقي علي أنه لا يري مبررا للتخوف من استمرار العمل بهذه المادة وأنها لا تمثل قيدا علي غير المسلمين، مشيرا إلي أن هناك قضايا أخري للأقباط تستوجب مناقشتها كالمساواة في الوظائف العامة وزيادة أعدادهم في الجيش والقضاء وغيرها .
ووصف الفقي حديث القس رفعت فكري بأنه غير دقيق، مشيرًا إلى أن الكثير من الادعاءات المسيحية بشأن الاضطهاد غير صحيحة. ودعا الفقي إلي التوقف عن بث روح الطائفية بين الجانبين المسلم والقبطي لأنها لا تعبر عن الروح المصرية في هذا الشأن.
من جانبه أكد الدكتور أحمد أبو بركة على احترامَ الإخوان لمبدأ المواطنة، وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات، وأن الإسلام لا يعرف القدسية للأفراد، ولا يوجد فيه الحاكم الناهي بأمر الله الذي لا يمكن مراجعته بدعوى العصمة.
وأوضح أبو بركة أن مبادئ الشريعة الإسلامية ثابتة ثبوتًا قطعيًا، بينما الأحكام متغيرة طبقًا لطبيعة الزمان والمكان والظروف المحيطة بالحكم، فالشريعة الإسلامية لها صفات وخصائص ومميزات تفردت بها عن سائر النظم الدينية والمدنية في تنظيم العلاقة بين الأفراد وبعضهم البعض، وبين الفرد وربه، لافتًا إلي أن الشريعة المسيحية لا تتناول العلاقات الاجتماعية أو تنظيم السلطات، مشيرًا إلى أن الإسلام لا يقبل بالمفهوم الغربي للدولة الدينية، حيث إن الإسلام لا يعترف بما يسمي بالدولة الدينية ولا يدعو لها، فيما شهدت العصور الوسطي بأوروبا استبدادا كنسيا لا مثيل له ولا نظير.
وقال بركة أن الشريعة الإسلامية هي المطبقة علي جملة المعاملات وعلاقات الأفراد منذ الفتح الإسلامي لمصر وان النص عليها في الدستور الحالي لم يكن بدعة حيث سبقه في ذلك دستور 1923 و1964مشيرا إلي أن كون الرئيس السادات استغل الحاجة المجتمعية لتطبيق مبادىء الشريعة في تمرير تعديلات دستورية تتعلق بمدة الحكم فهو أمر يتناقض مع هذه المبادىء نفسها. وتطرق أبو بركة إلى أمثلةٍ دالة على قطعية وثبات مبادئ الشريعة، مشككًا في صحة ما طرحه البعض عن عدم وضوح هذه المبادئ. مؤكدًا أن الإسلام أقام نظاما قانونيا محكما يحمي المواطنة ولا يتعارض مع مبدأ سيادة الشعب والمساواة وتكافؤ الفرص بين الناس.
ورغم اتفاق الدكتور ثروت بدوي علي أن وضع المادة الثانية من الدستور وتعديلاتها كان محاولة من الرئيس السادات لإرضاء التيار الإسلامي، حتى يدفع هذا التيار لدعم تعديل المادة 77 من الدستور، والتي أطلقت مدة رئاسة الدولة دون تحديد لعدد فترات الترشيح، إلا أنه اعتبر أن اعتراضات بعض الأقباط بالخارج علي المادة الثانية من الدستور تأتي بإيعاز ودفع من القوي الصهيونية في الولايات المتحدة.
أشار بدوي إلي أن الأقباط الذين شاركوا في وضع دستور 1923 من خلال ” لجنة الـ 30 ” رحبوا بالنص علي أن الإسلام دين الدولة مؤكدا أن نسبة الإسلام للدولة ليست بدعة، موضحا أن القوانين التي صدرت بعد الثورة الفرنسية استقت الكثير من أحكام الشريعة الإسلامية وموضحا أيضا أن القانون المدني الصادر عام 1948 نص علي أن الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع دون اعتراض من أحد.
وقال ممدوح الشيخ إن أي حديث عن دور الدين ينبغي أن لا يشير إلى انفصاله عن السياسة، مؤكدا علي أن حضور الدين في السياسة ليس بدعة، حتي في الحضارة الغربية ذاتها وأن تشكيل الحضارة الأنجلو سكسونية لم يكن به هذا الانفصام الموجود لدي المثقفين العرب تجاه هذه المسألة، منوهًا إلى أن المادة 2 من الدستور المصري لا تؤدي إلى فرض سيادة الشريعة الإسلامية على أحد، وطالب بوضع تصور لسياسة لا تستبعد الدين؛ حيث يرى إن مفهوم الدولة المدنية لا يعني وضع الدين جانبًا. وأكد الشيخ أن نص المادة الثانية من الدستور لا يستحق كل هذه الضجة لأنه ” لا يعني أي شيء ” لعدم وجود تعريف جامع مانع لمبادىء الشريعة.


(1) الذمة هي مصطلح في التراث الإسلامي، ويستخدمه رجال الدين للإشارة إلى حق غير المسلمين في البقاء على دينهم، وتمتعهم بالأمان والحماية، بشرط دفعهم للجزية (وهي مقابل مادي)، وقبولهم أحكام الدولة الإسلامية في غير شئونهم الدينية.

Share this Post