ائتلاف المنصة|حالة حقوق الإنسان في ليبيا: القتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

يسعى ائتلاف المنصة لتسليط الضوء على أهم انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا من خلال تحديث دوري بهدف رصد الانتهاكات، والضغط على السطات الليبية المختلفة لوقفها، والإشارة إلى سبل دعم حقوق الإنسان واستعادة دولة القانون.

ائتلاف المنصة[1]: تحديث حالة حقوق الإنسان ليبيا

العدد الأول: انتشار القتل خارج نطاق القانون والإخفاء القسري في ليبيا كوسيلة لبسط نفوذ المجموعات المسلحة التابعة للأطراف المتصارعة

مازالت الأوضاع في ليبيا تشهد تفشي مؤسف لأعمال القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري، في ظل غياب الإرادة السياسية لدى السلطات الرسمية والفعلية لوقف هذه الممارسات، وعجزها المستمر عن منع وحداتها من ارتكاب مثل هذه الجرائم كوسيلة ممنهجة لإحكام السيطرة على رقعة جغرافية معينة، أو مصادرة المجال العام وعرقلة مساع السياسيين ونشطاء المجتمع المدني.

تذّكر المنصة كل الأطراف بالتزاماتها وفقًا للقانون الدولي الإنساني، إذ ينص البند (ج) من الفقرة (2) من المادة الثامنة من نظام روما الأساسي لمحكمة العدل الدولية على أنه: في حالة وقوع نزاع مسلح غير ذي طابع دولي، الانتهاكات الجسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة 12 أغسطس 1949، وهي أي من الأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكاً فعلياً في الأعمال الحربية، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سلاحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر،(i) استعمال العنف ضد الحياة والأشخاص، وبخاصة القتل بجميع أنواعه، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب؛ (ii) الاعتداء على كرامة الشخص، وبخاصة المعاملة المهينة والحاطّة بالكرامة (iii) أخذ رهائن؛ (iv) إصدار أحكام وتنفيذ إعدامات دون وجود حكم سابق صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً نظاميًا تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموما بأنه لا غنى عنها.”

الاختفاء القسري كوسيلة لضرب المعارضة السياسية وتكميم الأفواه

تزايدت حالات الاختطاف والاحتجاز التعسفي وحالات الاختفاء القسري و التي طالت نشطاء وصحفيين منذ أبريل 2019. ففي 20 يوليو 2019 ألقت مجموعة مسلحة القبض على الدكتور علي الصيد منصور، أمين التجمع الوطني الليبي في طرابلس،[2] بتهمة مساندة قوات عملية الكرامة، وذلك بعد نشره بيان يدعو فيه التجمع لوقف الحرب والعودة للحوار وتوحيد المؤسسة العسكرية. وفي 18 من الشهر نفسه، تم احتجاز الدكتورة سهام سرقيوة، عضو مجلس النواب في بنغازي، بعد اقتحام منزلها والاعتداء على عائلتها واقتيادها لمكان مجهول، وذلك على خلفية مداخلة تلفزيونية أبدت فيها رأيها حول الصراع السياسي في ليبيا.

في الوقت نفسه، تستمر المجموعات المسلحة في ارتكاب جرائم الخطف والاحتجاز والإخفاء القسري بحق المدنيين، بما في ذلك السياسيين والصحفيين، بينما تتخاذل السلطات عن اتخاذ خطوات عملية لوقف هذه الممارسات. فلا يزال الناشط عبد المعز بانون، مفقودًا منذ اختطاف مجموعة مسلحة مجهولة له في 25 يوليو 2014 في طرابلس، وكذلك الناشط عبد المطلب السرحاني المُختطف في أغسطس 2017 من مدينة بنغازي، وغيرهم الكثير.

القتل خارج نطاق القانون أداة لتصفية المحتجزين دون محاكمة

تتصاعد وتيرة جرائم القتل خارج نطاق القانون بشكل مقلق، ففي 18 يوليو الجاري تم العثور على جثث خمسة أشخاص- لاقوا مصرعهم رميًا بالرصاص- في منطقة الهواري بمدينة بنغازي،[3] وذلك بالقرب من موقع التفجير الذي استهدف مقبرة المدينة، في مشهد يعيد للأذهان جرائم القتل الجماعي الانتقامية بعد تفجير مسجد بيعة الرضوان في بنغازي يناير 2018. وفي السياق نفسه، يذّكر الائتلاف بالمزاعم حول مقتل مجموعة من المقاتلين في مدينة غريان 29 يونية الماضي بمستشفى المدينة غرب ليبيا بالقرب من العاصمة طرابلس، والتي لم يفتح المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق التحقيق فيها حتى الآن، رغم استعادت قواته سيطرتها على المدينة.

هذا بالإضافة إلى وقائع قتل سابقة خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة لم تُتخذ بشأنها خطوات حقيقية لمحاسبة الجناة، من بينها واقعة العثور على 36 جثة- مقتولة رميًا بالرصاص في الرأس- في 27 أكتوبر 2018، على قارعة طريق مدينة الأبيار -70 كم من مدينة بنغازي- والتي تقع تحت سيطرة المجموعات العسكرية التابعة للقيادة العامة شرق البلاد. أيضا، تم العثور على ثلاث جثث ملقاه امام مستشفى الهريش في مدينة درنة تم تصفيتهم من قبل مجلس مجاهدي درنة وضواحيها.

هذا بالإضافة إلى مزاعم تعذيب وإعدام عشرات الأسرى رميًا بالرصاص في هجوم قوات تابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق على قاعدة تمنهت ببراك الشاطئ،[4] جنوب غرب ليبيا في17 مايو 2017. وكذا واقعة العثور على جثث 12 سجينًا في يونية 2016 بطرابلس، رغم صدور حكم قضائي بالإفراج عنهم وثبوت خروجهم من مقر احتجازهم بسجن الرويمي.

المجموعات المسلحة تنتهك مبادئ القانون الدولي الإنساني بشكل ممنهج

وفي سياق تصاعد المواجهات المسلحة المستمرة في طرابلس بداية من إبريل الماضي، تعرض مدينة مرزق جنوب غرب ليبيا لقصف جوي في 5 أغسطس مما أسفر عن عدد من القتلى المدنيين، كما تم قصف مطار معيتيقة بطرابلس يوم 4 أغسطس 2019 مما نتج عنه غلق المطار مؤقتًا.

في 29 يوليو 2019 تم استهدفت مدرسة العلمين في منطقة الهاني ومستشفى الزاوية الميداني في منطقة طريق المطار جنوب طرابلس بقصف جوي، مما حرم الآلاف من الأشخاص من حقهم الأساسي في الصحة. وفقا لمكتب الشئون الإنسانية للأمم المتحدة: «قتل أربعة أطباء ومسعف وأصيب ثمانية من أفراد الطاقم الطبي في الهجوم على المستشفى الميداني. ومنذ بداية النزاع في طرابلس، في إبريل الماضي، سجل 37 هجوماً على العاملين في القطاع الصحي في طرابلس، مما أسفر عن مقتل 11 شخصًا وإصابة 33 أخرين، كما تأثرت 19 سيارة إسعاف بشكل مباشر أو غير مباشر.”

أشارت منظمة الصحة العالمية في 29 يونية 2019، إلى أن القصف وتبادل إطلاق النار في العاصمة الليبية قد أسفر عن إصابة 4407 شخصًا، بينهم 137 مدنيًا، ومقتل739 شخصًا، منهم 41 مدنيًا، بينهم سائق سيارة إسعاف وطبيبان، هذا بالإضافة إلى إتلاف 8 سيارات إسعاف. كما أكد التقرير أن آلاف الأشخاص فروا من منازلهم، بينما يظل مدنيون محاصرون في مناطق القتال.

 ووفقًا لمكتب تنسيق الشئون الإنسانية، ثمة 178 ضحية مدنية للقتال، بينهم 41 قتيلاً، إضافة إلى 105 ألف نازح. فيما يواجه 3800 لاجئًا ومهاجرًا في مراكز الاحتجاز – بقصر بن غشير وغريان وعين زارة – خطر النزاع المباشر، سقط منهم حتى الآن 44 قتيلاً جراء مزاعم قصف القوات التابعة للقيادة العامة في يوليو 2019 لمقر احتجاز المهاجرين في ضاحية تاجوراء، على بعد 11 كم من العاصمة الليبية، والخاضع لسيطرة المجلس الرئاسي.

تذكر المنصة أن الاشتباكات المسلحة المستمرة وتعريض حياة المواطنين للخطر خلال أبريل 2019 ليست حادثة منفصلة، ففي 16 يناير 2019، ايضا وقعت انتهاكات جسيمة خلال تجدد الاقتتال في طرابلس بين المجموعات المسلحة، فأسقط عشرات القتلى والمصابين. جاء ذلك بعد يوم واحد من إعلان القائد العام للقوات المسلحة المعين من قبل مجلس النواب في شرق ليبيا عملية عسكرية في جنوب غرب ليبيا ودخوله بقوة إلى مدن الجنوب الليبي، وقد وثقت حالات اعتداء على المدنيين وعمليات انتقامية.[5] كما أعلن عن انتهاء العمليات العسكرية في درنة بعد معارك طاحنة مع مجلس شورى درنة (قوة حماية درنة) بعد حصار المدينة بأكملها.[6]

هذا ومازالت السلطات القضائية الليبية، في جميع أنحاء البلاد، عاجزة عن ضمان المساءلة القانونية خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. فضلاً عما تعانيه السلطات القضائية والمدعين العموم والهياكل القضائية من صعوبات وتحديات جمة أهمها التحديات الأمنية.

التوصيات

ائتلاف المنصة -وفي سياق الانفلات الأمني وعدم السيطرة على المجموعات المسلحة- يدعو جميع السلطات الرسمية والفعلية إلى إلزام قواتها بالتوقف فورًا عن ارتكاب جرائم القتل خارج نطاق القانون، والإفراج عن كل المختفين قسريًا، وضمان حصول جميع المحتجزين على حقوقهم الأساسية، بما في ذلك حقهم في الاحتجاز بمكان معلوم، والتواصل مع ذويهم ومحاميهم والأطباء المتخصصين، على النحو الذي يضمنه القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. ويطالب الائتلاف السلطات أيضًا بتقديم كل المشتبه تورطهم في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان للعدالة.

كما تدعو المنصة، مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان للعمل من أجل الحد من الإفلات من العقاب في ليبيا، ووقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وذلك من خلال تشكيل لجنة تحقيق دولية يعتمدها مجلس حقوق الإنسان، تتمكن من تحديد هوية مرتكبي تلك الجرائم تمهيدًا لمحاسبتهم. وفي ذلك نؤكد نحن منظمات المنصة أن تلك الآلية من شأنها دعم الجهود المبذولة لمنع وقوع المزيد من التجاوزات والانتهاكات، على نحو يعزز من حماية المدنيين في ليبيا، ويمهد الطريق لإرساء دولة القانون والعدالة. بل وننتظر أن تخفف هذه الآلية من وطأة هجمات المجموعات المسلحة والعسكرية على مؤسسات الدولة الوليدة، كما يفترض أن تسهم هذه الآلية في عرقلة مساع المجموعات المسلحة لتقويض محاولات الليبيين للوصول لحل سلمي مستدام.


[1] تأسس ائتلاف المنصة في عام 2016، ترتكز رؤية الائتلاف على خلق فضاء للالتقاء والتحاور والتنسيق من أجل تطوير ورفع كفاءة المجتمع المدني الليبي وتمكينه من القيام بدور فعال في تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان ووضع استراتيجية متكاملة للتغيير والتأثير على مختلف الأصعدة. وقد اتفق أعضاء الائتلاف على الأهداف التالية التي تحدد بوصلة العمل المشترك للمنصة: – كسر العزلة بين منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان والمدافعين داخل ليبيا وخارجها مع توزيع أفضل للأدوار بينهم– خلق مجال للالتقاء والتحاور والتفكير بين أعضاء المجتمع المدني الليبي لإيجاد الرؤية المتكاملة لأعمالهم وتطبيق استراتيجية مشتركة للتغيير والتأثير على كل الأصعدة– رفع كفاءة منظمات المجتمع المدني الليبي في توثيق الانتهاكات ومراقبة حالة حقوق الانسان في البلاد- سد ثغرة غياب آليه دولية لتوثيق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا من خلال إعطاء مجال أكبر لمجموعات توثيق محترفة محلية تعمل في دوائر امنة– تقوية وتحسين قدرة منظمات المجتمع المدني للقيام بدور فعال في مجال المناصرة المحلية والإقليمية والدولية– دعم المشاركة الفعالة والحقيقية لمنظمات المجتمع المدني في تبني الحلول السلمية وأيضاً مراقبة تنفيذ الاتفاقيات وضمان أشراكها في المرحلة الانتقالية وتعزيز ثقافة التعايش السلمي وتقبّل الأخر – الحد من ظاهرة الإفلات من العقاب ومكافحة خطاب الكراهية والعنف وضمان حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي وحماية النشطاء ووسائل الإعلام من الهجمات وكفالة سلامتهم وضمان مناخ أمن لهم.
[2] وفقا لما ورد لائتلاف المنصة من معلومات تم جمعها حول الواقعة.
[3] وفقا لما ورد لائتلاف المنصة من معلومات تم جمعها حول الواقعة.
[4] وكان إبراهيم زمي، عميد بلدية براك الشاطئ أعلن في تصريح صحفي مقتل 74 جنديًا وإصابة 18 آخرين في الهجوم على قاعدة براك الشاطئ، لافتًا إلى أن 5 جنود قتلوا ذبحًا، فيما سقط أغلب القتلى الآخرين بطلق في الرأس.
[5] وفقا لما ورد لائتلاف المنصة من معلومات تم جمعها حول الواقعة.
[6] وفقا لمسئولين في المجلس المحلي التابع لحكومة الوفاق الوطني، وأعضاء “لجنة الشئون الإنسانية ونازحي درنة” نزح ما لا يقل عن ألف أسرة إلى مدن أخرى بسبب القتال. زعم مسئولون محليون أيضا وجود حالات إعدام خارج نطاق القانون، استيلاء على الممتلكات الخاصة، والنهب، واعتقال تعسفي من قبل الجيش الوطني الليبي عندما اجتياح المدينة.



Share this Post